مطالعة سير القادة عبر حقب التاريخ توفر المعرفة لمن يريد المقارنة والإنصاف لمن رحلوا وسطروا صفحات من ذهب لشعوبهم بأمجادهم فى سجلات التاريخ. وعلى الجانب الآخر تكشف زعماء وقادة آخرين تطاردهم أفعالهم التى جرت على البشرية الخيبات والهزائم. وهنا لا استطيع توقع ماذا سيقول مؤرخو هذا العصر عن شخصية الرئيس الأمريكى ترامب، هل سيكون من عظماء هذا القرن كما يروج الرجل لنفسه، حيث جعل من نفسه الأجدر لقيادة العالم فى هذا العصر ونشر الاستقرار والأمن على الأرض، أم يسجل فى صفحات حقبة تعد الأكثر تراجعا للنظام الدولي؟! وهو رجل صعب التنبؤ بأفعاله لم يبرع إلا فى صناعة الأعداء وتقليب الأصدقاء على بلاده بفعل تسرع القرارات وسطحية التفكير، وادعاء ان الكل يريد استغلال بلاده وإمكاناتها، فيلجأ إلى قرارات سرعان ما يرجع عنها فى اليوم التالى.
وأفضل مثال على تصرفات ترامب جملة المراسيم التى وقعها على الهواء لزيادة رسوم الحماية الجمركية على واردات بلاده من اقرب حلفائها مما يخلق حالة من تراجع المصداقية فى قراراته التى يجب ألا تقبل النقاش بما انه حاكم أعظم دولة فى العالم كما يردد إعلاميا صباح مساء. ربما يكون هناك أنصار فى الداخل الأمريكى ونفر قليل فى الخارج ممن يعجبون بأداء وأفعال ترامب، إلا أن هناك أغلبية فى العالم، خاصة بدول الشرق الأوسط وإنا منهم، ترى ترامب ابتلاء وغضبا إلهيا، وهذا التفسير كثيرا ما أشار إليه العديد من التقارير الإعلامية لكبريات الصحف والدوريات الأمريكية منذ وصول الرجل إلى البيت الأبيض فى ولايته الثانية.
وهنا أحيل الجميع إلى ما تسطره صحف النيويورك تايمز والواشنطن بوست ومحطات التليفزيون الكبرى الأمريكية التى تجعل من الرئيس ترامب مادة يومية للسخرية والاشتباك الإعلامى معه، ناهيك عن معارك تكذيب أقواله ونسف تصريحاته بمواقف سابقة له تكذب بعضها البعض وتظهر الخلل بصناعة القرار الأمريكى وعشوائيته، حتى إننى تابعت على مدى أسابيع كتابات عديدة فى أمريكا وكذلك فى صحف أوروبية لدول صديقة للولايات المتحدة تكيل الاتهامات وتتبارى فى النيل من اختلال القرار الأمريكى فى فترة ترامب الحالية، ومعظمها تحمل عنوانا اقرب إلى التهكم على أدائه.
لم أر رئيسا مثل ترامب على الأقل فى الأعوام الخمسين الماضية وكذلك صفحات التاريخ فى العهود المختلفة لا نجد بها مثل هذه الحالة المتراجعة لقائد وزعيم. ويعن لى سؤال اذا كان كل مايشهده العالم الآن من ارتجالية الفعل والأداء فى قرارات ترامب فى فترة وجيزة فلم يمض على وجوده فى البيت الأبيض سوى ستة أشهر فماذا ينتظر العالم خلال الأعوام الثلاثة والنصف عام المتبقية من ولاية ترامب، وماذا ينتظرنا من مفاجآته فى قادم الأعوام. فى تقديرى أنها ستكون سنوات محملة بمفاجآت غير سارة لأصدقاء الولايات المتحدة قبل أعدائها. ويبقى الأكثر إيلاما وغير قابل للتصديق تسويق ترامب طيلة الأشهر الماضية بأحقيته فى الفوز بجائزة نوبل للسلام، والتناغم الكاذب مع نفسه بأنه صنع السلام للعالم بما لم يسبقه إليه الأولون ولا القادمون من بعده، وسعى طيلة الوقت لترويج الأوهام منذ حملته الانتخابية بأنه باتصال هاتفى واحد يوقف حرب روسيا وأوكرانيا، وكذلك الحرب الملعونة فى غزة، وما حدث هو العكس تماما فقد فشل الرجل فشلا ذريعا ولم يعد صاحب كلمة مسموعة عند صديقه بوتين كما فقد ثقة أصدقائه الأوروبيين حلفائه فى الناتو. أما حرب غزة فحدث ولاحرج، فقد سقط ترامب فى أفخاخ نيتانياهو التى نصبها له منذ اليوم الأول لعودته للبيت الأبيض، حيث فهم الأخير جيدا شخصية ترامب وأنها تعشق التفخيم واستطاع إقناعه بالسير فى طريق خطط إسرائيل الكارثية بالتغطية طيلة الوقت على حرب الإبادة التى تقودها تل أبيب ضد قطاع غزة، بل الأنكى استطاع نيتانياهو إقناعه بإلغاء كل قرارات الحظر التى فرضها بايدن عسكريا على إسرائيل مع بداية جرائم إسرائيل بغزة، حيث قرر ترامب مضاعفة مكافآت ترضية إسرائيل وبعد كل هذه الأشهر لم يجرؤ على ردع إسرائيل ونيتانياهو بوقف حرب الإبادة، بل استمر فى خداع العالم والشرق الأوسط بإرسال مبعوثه لشراء الوقت والمماطلة بحجة رعاية المفاوضات مع الوسطاء فى الإقليم حتى يقتل جيش الاحتلال الآلاف ويروج لخطة التهجير حتى يتراجع الفلسطينيون، وتقدم حماس التنازلات ويقبل العرب بالنذر اليسير الذى يقدمه بالاتفاق مع نيتانياهو لدخول دول عربية جديدة للاتفاق الإبراهيمي. وبالتالى كل ما طرحه الرجل قبل وبعد الوصول إلى البيت الأبيض لم يجد طريقه إلى الإقرار أو التمرير، ويصب فى خانة الكلام الساكت الذى بلا هدف ولا قيمة بدليل انه حتى الآن لم ينفذ وعدا بشأن قضايا الحروب والصراعات فى العالم، فما بالك فى الشرق الأوسط الذى كان يستطيع تغييره إلى الأفضل عبر الضغط على إسرائيل ولكنه لم يجرؤ، وكل ما يفعله حاليا نصرة إسرائيل بالباطل، وهو جزء يسير لتسديد الفواتير للوبى اليهودى الذى أحضره مرة ثانية للبيت الأبيض، وبالتالى لا أمل يرتجى من ترامب فى قضايا الشرق الأوسط. وبالتالى على أى أساس يأمل الرجل ويروج بأحقيته فى جائزة نوبل، وماذا فعل للعالم والإقليم هنا غير وطأة الأزمات والتهديد الخشن بالعقوبات والحروب، ومافعله مع إيران لمصلحة إسرائيل فى ضرباته الأخيرة للمواقع النووية! ومن هنا يجب أن تحافظ إدارة نوبل على ضوابط ومعايير تلك الجائزة وألا تسمح للوبى اليهودى بمخالفة تلك المعايير وتخضع للابتزاز لتكون نوبل هذا العام لمخادع مثل ترامب والعام القادم لقاتل مثل نيتانياهو.
لمزيد من مقالات أشرف العشرى رابط دائم: