رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

اجتهادات
حبُ بدائى وهمجية حديثة

يُعيدُنا خواء الحضارة الحديثة, وهمجية الغرب حين تستكبرُ أكبر دوله, وتشارك فى ارتكاب مذابح مهولة باسم هذه الحضارة, إلى بعض أفكار جان جاك روسو المُلهمة. ومنها اعتقاده بأن الكائن البشرى كان لديه فى مرحلته المُسماة بدائية إحساس بالحب وميل إلى الحنان والعطف تجاه أبناء جنسه، وأن ذلك الحب كان يتغلبُ أحيانًا على غريزة السعى إلى البقاء، وأن الطبيعة جادت عليه بما يجعلُ القلب رقيقًا وهو الدموع عند انهمارها فى حالتها الفطرية؟. هل نتج افتراضه هذا عن تفكيرٍ وتأملٍ فقط عندما انغمس فى كتابة بحثه عن أصول التفاوت بين البشر، ليُقدمه إلى أكاديمية ديجون عام 1755، أم أنه نبع من داخله وهو الذى تُفيدُ سيرته بأنه كان يتوق إلى الحب منذ طفولته، إذ تُوفيت أمه عقب ولادته، وعانى عنف والده. ولا يبدو أنه وجد هذا الحب فى علاقاته النسائية، بما فى ذلك العلاقة الأولى مع تيريز التى تصور أنه أحبها، ولكنه عانى تناقضا بين هذا الحب وسخطه عليها بسبب تحايلها لإنجاب أطفال لم يردهم بسبب حياته غير المستقرة. وربما يفسر توقه إلى الحب إقدامه على كتابة النص السردى المعنون (جولى أو إيلويز الجديدة) الذى يمكن اعتباره أحد بواكير الرواية الرومانسية الكلاسيكية، التى كان أبرز كُتَّابها فى أوروبا فرانسوا دو شاتوبريان، وبنيامين كونستانت، وبدرجةٍ ما ألكسندر دوما. يدور هذا العمل الرومانسى جدًاُ حول شابةٍ مثالية تحب مُعلَّمها وتعتقد أن السماء وهبت كلاً منها للآخر، وأن روحيهما متداخلتان وغير قابلتين للفصل. ويقع أستاذها بدوره فى حبها، ويبادلها الشعور باتحاد روحهما، وتغمره السعادة حين يعرف أن قلبها معه. وعندما رفض والدها زواجهما، وزوَّجها لآخر، بقى هو على حبه لها، وصار مُعلِما لأطفالها ليكون قريبًا منها. نصُ رومانسى وُصف بالصفاء، وحقَّقت مبيعاته أرقامًا تعد فلكيةً فى زمنه. ولكنه ليس دليلاً كافيًا على أن فى تصور روسو للحب البدائى تعويضًا عن افتقاد مثله فى حياته, وهو الذى طالما اعتقد بأن  مشاعر البشر تذوى بمقدار ما ينغمسون فى الحياة الحديثة.


لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد

رابط دائم: