كثيرًا ما يوضع المرء أمام اختيار صعب. وأصعب الاختيارات هو ما يكون بين أمر سيىء وثانٍ أسوأ منه، أو بين أمرين أحلاها مُر حسب قول الشاعر الكبير أبى فراس الحمدانى فى قصيدته «أراك عصى الدمع».
نقرأ فيها: «قال أُصحابى الفرار أو الردى .. فقلتُ هما أمران أحلاهُما مر .. ولكننى أمضى لما لا يُعيبنى .. وحسبك من أمرين خيرهما الأسر .. يقولون لى بعت السلامة بالردى .. فقلتُ أما والله ما نالنى خُسرُ .. وهل يتجافى عنى الموتُ ساعةً .. إذا ما تجافى عنى الأسر والضر .. هو الموت فاختر ما علا لك ذكره .. فلم يمت الإنسان ما حيى الذكر ..».
كان عليه الاختيار بين الفرار أو الأسر ومن ثم الموت. وقد اختار الأسر والموت على أساس أن الأعمار بيد الله: «وإن مُت فالإنسان لابد ميت .. وإن طالت الأيام وانفسح العمر» وكان معيار اختياره الموت هو العزة والكرامة اللتين لا تقوم للمرء قائمة دونهما: «نحن أناسُ لا توسط عندنا .. لنا الصدر دون العالمين أو القبر .. تهون علينا فى المعالى نفوسنا .. ومن خطب الحسناء لم يُغلِها المهر».
مرت أيام وسنون تجاوزت فى مجموعها عشرة قرون، وظل الاختيار الصعب بين أمرين أحلاهما مُر كما طرحه الحمدانى، وإن اختلفت تجلياته من حالة إلى أخرى. وفى أيامنا حربان يوضع أحد طرفى كل منهما أمام هذا الاختيار. أدى صمت ما يُسمى مجتمع دولى على حرب الإبادة فى غزة إلى وضع حركة «حماس» وفصائل المقاومة الأخرى أمام هذا الاختيار. فإما أن تواصل المقاومة وتترك أهل غزة، الذين هم أهل كل مقاتل فيها، نهبًا للقتل والتجويع والتعطيش، أو أن تقبل شروط العدو وتستسلم. خياران أحلاهما مُر، بل ربما يجوز القول إن كليهما مُران.
ونجد فى حرب أوكرانيا مثالاً آخر. فإما أن تواصل حكومة كييف القتال فى ظروف صعبة وتخاطر بخسارة مزيد من الأراضى والجنود، أو أن تقبل وقف الحرب بالشروط الروسية كلها أو معظمها. وهذا بدوره اختيار بين أمرين كلُ منهما مُر.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: