رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

سميحة أيوب.. رحلة من الفن الراقى والإبداع الجميل

فى تاريخ الفن المصرى الجميل، وفى مسيرة الإبداع الحقيقي، وفى الأداء الممتع والإحساس بالكلمة، تتصدر الساحة سميحة أيوب، المبدعة دائمًا، والصوت المحلق فى كل زمان.. رحلت سميحة أيوب، وتركت رصيدًا من الفن الجميل فى حياتنا، ظواهر من الإبداع يصعب تكرارها، وتترك فراغًا لا يملؤه أحد.. وكانت سميحة أيوب فنانة يصعب تكرارها..

ـــــ اعترف فى البداية أننى أحببت شعرى فى صوت وأداء وشموخ القديرة سميحة أيوب، سيدة المسرح العربى فى كل زمان. كنا نلتقى فى الأمسيات والمناسبات، وربطت بيننا صداقة جميلة..وكان يراودنى دائمًا حلم أن أراها تشدو بأشعارى على المسرح.. وكان من الحظوظ الجميلة فى حياتى أن تكون سميحة أيوب نجمة مسرحياتى الثلاث: «الوزير العاشق» و«دماء على ستار الكعبة» و«الخديوى».. وكثيرًا ما كنت أقف خارج المسرح لأسمع صدى أشعارى وهى تشدو بها. ولم تكن تقرأ نصًا، ولكنها ــ كما اعتادت ــ كانت تغني، وكأنك تسمع أم كلثوم.. ولهذا اعترف بأننى أحببت شعرى فى صوت سميحة أيوب..

ـــــ ذات يوم، قررت أن أقتحم مملكة المسرح الشعري، وكانت قصة حب ابن زيدون وولادة تداعب خيالى منذ عبرت بى سفينة فى مضيق جبل طارق.. عادت بى الذكريات إلى أمجاد العرب فى الأندلس، حيث شيد المسلمون حضارة استمرت أكثر من ستة قرون، ما زالت شواهدها حديث العالم حتى الآن فى العلم والعمارة والحضارة والتقدم.. كنت أحيانًا أحكى مع سميحة قصة ولادة وابن زيدون..أنهيت المسرحية وذهبت إليها، وقرأناها معًا..أبدت إعجابها وطلبت منى بعض التعديلات..جاء الدور على المبدع عبدالله غيث، فقرأ المسرحية واقتنع بها.. كان عبدالله غيث قد غاب عن المسرح أكثر من عشر سنوات، وكانت فرصة أن يلتقى مع سميحة أيوب بعد سنوات غياب طالت.. ثم وقع الاختيار على مخرج شاب هو فهمى الخولي..

ـــــ ونجحت «الوزير العاشق» وطافت فى كل العواصم العربية فى قرطاج بتونس، وجرش بالأردن، ومهرجان الجزائر ودمشق. وتألقت فيها سميحة أيوب وعبدالله غيث.. وأذكر أن يوسف إدريس شاهد المسرحية فى مهرجان دمشق وكتب فى الأهرام يومها: «لم أتوقع أن أجلس مع دريد لحام على أرض المسرح؛ فلم يكن هناك مقعد واحد خالٍ».. فى الجزائر.. تألق عبدالله غيث أمام سميحة أيوب أعظم من نطق الشعر فى تاريخ المسرح العربي، حتى إن الجمهور وقف ربع ساعة يحيِّى أبطال المسرحية التى تحكى قصة ابن زيدون وولادة أشهر قصص الحب فى الأندلس ومأساة المسلمين الكبرى.. يومها علمت أن أسرًا كثيرة فى دول شمال إفريقيا مازالت تحفظ مفاتيح بيوتها فى الأندلس على أمل العودة فى يوم من الأيام.. كانت تجربة مسرحية «الوزير العاشق» واحدة من أجمل الصدف التى جمعت بين سميحة أيوب وعبدالله غيث، وقد تألق فيها فهمى الخولى ومنير الوسيمى وعزة بلبع ومحمد الشويحى وحسين الشربيني.. كان هذا هو اللقاء الأول بينى وبين سيدة المسرح العربى..

ـــــ وجاء اللقاء الثانى مع سميحة فى «دماء على ستار الكعبة»، بمشاركة القدير يوسف شعبان، وإخراج هانى مطاوع، وكوكبة من نجوم المسرح العربي.. اعترف بأننى كنت أجد سميحة أمامى وأنا أكتب مشاهد المسرحية.. بل كنت أسمع صوتها.. أداؤها على المسرح كان شيئًا من الإبهار، وربما الإعجاز.. هى أجمل صوت شدا على المسارح العربية إحساسًا وصدقًا وعلى خشبة أعرق مسارح مصر: المسرح القومي.. انطلقت «دماء على ستار الكعبة» وحولها الأزمات والمشكلات أمام عنف المواجهة بين الحجاج (أشهر الطغاة العرب) والشعوب التى تطالب بالحرية والعدالة والحياة الكريمة.. يومها شاهد المسرحية الإمام الشعراوى، والموسيقار محمد عبدالوهاب، والأستاذ هيكل وأحمد بهاء الدين، وأعضاء مجمع اللغة العربية، وفى مقدمتهم د. مهدى علام أمين عام المجمع.. أضافت «دماء على ستار الكعبة» صفحة جديدة إلى تاريخ المسرح الشعري.. ويبدو أن سميحة أيوب اعتادت أن تشدو بكلماتي، وكنت أشعر بأننى محظوظ بهذه الفنانة المبدعة.

ـــــ جاء ميعاد اللقاء الثالث مع «زلزال الخديوي»، الذى اهتزت به أركان الثقافة المصرية واقعًا وتاريخًا، إدانةً وحسابًا.. مع العبقرى جلال الشرقاوى، كان لقاء السحاب بين سميحة أيوب ومحمود ياسين.. أبدع الشرقاوى، وهو يرسم لوحات بديعة عن مصر: الوطن، النهضة، الديون، والبيع.. كانت المسرحية صرخة دامية ضد الديون والتبعية والاحتلال، وعلاقة الدين بالسياسة، وأحلام الحاكم حين تتجاوز قدرات الوطن.. تألقت سميحة أيوب فى «الخديوي» مع أعظم أدوار محمود ياسين، بمشاركة الموجي، وفاروق الدمرداش، وأشرف عبدالغفور، ونيفين علوبة، وحمزة الشيمي، ومدحت مرسي.. ظلت أضواء المسرحية مضيئة على خشبة مسرح البالون لأكثر من مائة ليلة، ثم اختفت الأضواء بقرار غامض بحجب المسرحية.. ظلت المسرحية فى سجون وزارة الثقافة 18 عامًا حتى تم الإفراج عنها.. أضافت «الخديوي» إلى مشوارى مع الصديقة المبدعة سميحة أيوب.. كتبت لها دورًا بديعًا فى آخر مسرحياتى «هولاكو»، التى لم يُفرج عنها حتى الآن ـ وبعد عامين من البروفات ـ رحل مخرجها جلال الشرقاوى حزنًا عليها، ولا أدرى هل يُفرج عنها وتعود للأضواء مرة أخرى.. مازلت أذكر حضورها الطاغى على المسرح، وأن مشاركتها مع هذه النخبة من المبدعين الكبار كانت تتويجًا للمسرح الشعرى وهو يعيش محنة قاسية بعد رحيل رواده الكبار.

ـــــ إن أهم المحطات فى مشوار سميحة أيوب أنها أخلصت للقيمة والمسئولية، وحافظت على تاريخها رغم الإغراءات الشديدة على موائد الفضائيات والمسلسلات وسوق السطحية.. كانت تدرك أنها صاحبة دور فكرى ووجداني، ولهذا لم تتخلَّ أبدًا عن قناعاتها فى أن للفن رسالة.. ولهذا احتفظت دائمًا بحب واحترام وتقدير الجماهير فى الوطن العربى كله.. ثم كان حصولها على جائزة النيل (أكبر جوائز مصر الثقافية) تتويجًا لمشوار طويل من العطاء الفنى والإخلاص للرسالة السامية للإبداع الجميل.. كان يكفى فى المجلس الأعلى للثقافة أن يُقال اسم سميحة أيوب لتحصل على الجائزة من أول تصويت.. وقد منحها جمهورها مئات الجوائز التى تجسدت فى الحب والتقدير.

ــــــ سميحة أيوب.. مائة رجل اجتمعوا فى شخصية امرأة! إنها تحترم كلمتها، وتقدِّر كل شيء بصورة دقيقة واعية، وهى تحس بالفن الجميل على بعد كيلومترات.. وقبل هذا كله، هى ميزان دقيق وحساس فى إدراك قيمة الموهبة والإبداع الحقيقي.. فى مشوارها الطويل، قدَّمت مئات المسرحيات شعرًا ونثرًا، ووضعت اسمها مضيئًا بجانب عشرات المبدعين الكبار مصريين وأجانب، وكانت تشعر وهى على خشبة المسرح أنها راهبة أو قديسة فى موكب للصلاة.. إن الإخلاص للفن هو أكبر قيمة يحافظ عليها الفنان.. لابد أن أعترف: لو كتبت مائة مسرحية لتمنيت أن تكون سميحة أيوب بطلتها.. جمعتنا الأقدار فى ثلاث مسرحيات شعرية نجحت نجاحًا ساحقًا.. سميحة كانت من أجمل حظوظ حياتي.. كانت سميحة أيوب قلعة من قلاع الفن الجميل وكانت رحلتها مع الفن المصرى والعربى صفحة مضيئة تضاف الى سجلات المبدعين الكبار ومع رحيلها سوف تترك فراغا كبيرا لكل عشاق الزمن الجميل.

 

     ◙  ◙  ◙

..ويبقى الشعر

 

فى هذه الأرضِ الشريفةِ أشرقتْ

يومًا قلاعُ النـور والبركــــــــــاتِ

بدأ الوجودُ خطيئةً ثم انتهــــــى

بالصفحِ والغفـران ِفى عرفـــــاتِ

حتى أطل على الوجودِ محمــــدٌ

فتزينت عرفــاتُ بالصلــــــــــواتِ

فأضاء تاريخٌ وقامت أمـــــــــــة ٌ

بالحق ِتكتبُ أروع َالصفحــــــــاتِ

وسرى على أرجائها وحى الهدى

جبريلُ يتلو أقــــــدسَ الآيــــــــاتِ

ومحمدٌ فى كل ركن ٍ ساجـــــــدٌ يُحيى قلوبًا .. بعد طول ِ مــــــواتِ

بدءُ الخليقةِ كان من أسرارهـــــا

حين استوت بالخلقِ فى لحظاتِ

وتزينت لنبيّها حتى بـــــــــــــدا

نورُ الرسالةِ فـوقَ كل حصـــــاةِ

وتكسرتْ أصنامُ مكة .. وانزوى

خلفَ الحطام ِ ضلالُ ليل ٍ عــاتِ

فى حضن ِمكةَ كان ميلاد الهدى

والدهرُ يشدو أعــذبَ النغمــــاتِ

أممٌ أفاقت من ظلام ِعهودهـــــــا

واستيقظت من بعدِ طول ِسُبــاتِ

القى عليك الحاقدون ضلالهـــــم

وتسابقوا فى اللغو والســــوءاتِ

أترى يعيب الشمسَ أن ضياءهـــا

أعمى حشودَ الجهل ِ والظلمــاتِ

لو يعلم الجهلاءُ رحمة ديننـــــــا

لتسابقوا فى البر والرحمـــــــاتِ

لم يشهد التاريخُ يوما أمــــــــــةً

جمعتْ حشودَ الحق ِفى لحظــــاتِ

لم تشهد الدنيا جموعًا سافــــــرتْ

عبرت حدود الأرض ِ والسمــواتِ

لكنه الإسلامُ وحد بينهـــــــــــــم

فتسابقــــــوا للهِ فى عرفــــــــــــاتِ

هذا هو الإسلامُ دين محبــــــــــةٍ

رغم اختلافِ الجــاهِ والدرجـــــاتِ

***

يا للمدينة حين يبدو سحُرهـــــــــا

وتتيه فى أيامها النضـــــــــــــراتِ

ومواكبُ الصلواتِ.. بين ربوعها

تهتز أركانُ الضلال ِالعاتــــــــــــى

فى ساحةِ الشهداء لحنٌ دائـــــــــم

صوتُ الخيول ِ يصولُ فى الساحاتِ

والأفقُ وحىٌ.. والسماءُ بشائـــرٌ

والروضة ُ الفيحاءُ تاجُ صلاتِـــــــى

ويطوفُ وجهُ محمدٍ فى أرضهـــا

الماءُ طهرى.. والحجيـج سُقـَاتـــى

ماذا أقولُ أمام نوركَ سيـــــــــدى

وبأى وجهٍ تحتفى كلمــاتـــــــــــــى

بالعدلِ.. بالإيمانِ.. بالهمم ِالتى

شيدتها فى حكمةٍ وثبــــــــــــــاتِ ؟

أم بالرجالِ الصامدينَ على الهـــدى

بالحقِ..والأخلاقِ.. والصلواتِ ؟

أم أنه زهدُ القلوبِ وسعيهـــــــــــا

للهِ دون مغانمٍ وهبــــــــــــــــاتِ ؟

أم أنه صدقُ العقيدةِ عندمـــــــــــا

تعلو النفوسَ سماحُة النيــــــــاتِ ؟

أم أنه الإنسانُ حين يُحيطـــــــــــه

نبلُ الجلالِ وعفة ُالغايـــــــــاتِ؟

أم أنه حبُ الشهادةِ عندمـــــــــــا

يخبو بريقُ المال والشهـــــواتِ ؟

أم أنه زهدُ الرجال إذا علــــــــتَ

فينا النفوسُ عَلى نِدا الحاجــاتِ ؟

أم أنه العزمُ الجليلُ وقد مضــــى

فوق الضلال ِ وخسةِ الرغباتِ ؟

بل إنه القرآنُ وحى محمــــــــــدٍ

ودليلنا فى كل عصــــــرٍ آت..

***

 

يا سيدَ الدنيا.. وتاجَ ضميـــــرها

أشفع لنا فى ساحة العثـــــرات ِ

أنا يا حبيب الله ضاق بـِىَ المدى

وتعثـْرتْ فى رهبةٍ نبضاتــــى

وصفوكَ قبلى فوق كل صفــــاتِ

نورُ الضمير ِ وفجرُ كل حيـــاةِ

بشرً ولكن فى الضمير ترفــــــعُ

فاق الوجودَ.. وفاقَ أى صفاتِ

وصفوكَ قبلى فانزوت أبياتـــى

وخَجلتُ من شعرى ومن كلماتى

ماذا أقولُ أمامَ بابك سيــــــدى

سكتَ الكلامُ وفاض فى عبراتى

يارب فلتجعل نهايةَ رحلتـــى

عند الحبيبِ وأن يراه رفاتـــــى

يومًا حلمتُ بأن أراه حقيقــــةً

ياليتنى القاه عند مماتــــــــــــى..

-------------------------

من قصيدة  «على باب المصطفى» 2021

[email protected]
لمزيد من مقالات هوامش حرة يكتبها ــ فاروق جويدة

رابط دائم: