لم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان منذ نحو ستة عقود. بدأت محدودة ومتفرقة فى إطار مواجهات مع منظمات فلسطينية وجدت فى الجنوب اللبنانى ملاذًا آمنًا فى منتصف ستينيات القرن الماضى، وتوسع نطاقها بعد ذلك. ومنذ 1978 صارت الاعتداءات واسعة واقترنت بعمليات غزو متفاوتة كان أكبرها عام 1982.
ففى مثل هذا اليوم من ذلك العام قررت الحكومة الإسرائيلية شن اعتداء واسع يستهدف منظمات المقاومة ردًا على محاولة اغتيال سفيرها لدى لندن رغم أن من قاموا بتلك المحاولة ينتمون إلى منظمة «أبو نضال» التى ناصبت العداء كل المنظمات الفلسطينية التى كانت موجودة فى لبنان حينذاك.
كان اعتداء 1982 هو الأكبر مثلما كانت المقاومة التى واجهته هى الأكثر إلهامًا مقارنةً بما سبقها، خاصة على المستوى الشعبى. فقد سجلت ملاحم بطولية بمعنى الكلمة فى بعض المناطق التى دخلتها القوات الغازية، ومن بينها بلدة تسمى معركة شرق مدينة صور. وكان لنساء البلدة دورُ محورى فى مقاومة الغزاة، إذ صعدن إلى أسطح بيوتهن وجهز بعضهن زيتًا مغليًا لسكبه على الغزاة وآلياتهم خلال مرورهم فيها، بينما كان أبناؤهن مستعدين بحجارة لإلقائها عليهم. وأدى ذلك إلى تشتت القوات الغازية الأمر الذى مكَّن المقاومين على الأرض من إلحاق خسائر كبيرة بها. فكانت هذه المعركة التى نشبت فى بلدة معركة مصدرًا لإلهام بلدات أخرى حولها مثل طورا وبرياس وبرج رمال والعباسية وطير دبا وغيرهما.
وسجل الفنان الكبير الراحل محمد على الخطيب بريشته تلك المعركة فى لوحة زيتية رائعة سمَّاها «معركة». أول ما يلفت الانتباه فيها مشهد طفلين يسخران من جُبن جنود العدو الذين تعالى صراخهم خلال فرارهم. ويبدو أنه قصد وضع الطفلين فى مواجهة جنود العدو للدلالة على أن المقاومة ستستمر جيلاً بعد جيل. إلى أن يتحقق النصر. أما مشهد النساء اللاتى ترمين الزيت فيدل على أن المقاومة شعبية تشمل مختلف الفئات ولا تقتصر على الرجال. وقد خلدت هذه اللوحة بطولات أهل بلدة معركة فى أحد أهم المعارك فى تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: