عندما حشدت روسيا قواتها على الحدود مع أوكرانيا فى أواخر 2021 لم يكن هدفها محصورًا فى تأمين هذه الحدود وحماية ذوى الأصل الروسى الموجودين بالقرب منها. كان هدفها منع انضمام أوكرانيا إلى حلف «الناتو» والحصول على ضمانات أمنية فى شرق أوروبا ووسط آسيا وجنوب القوقاز أيضًا. كانت هذه أهداف روسيا عشية شن الحرب على أوكرانيا. ولا يوجد ما يدل على أنها تغيرت بعد أكثر من ثلاث سنوات سيطرت خلالها القوات الروسية على معظم أراضى أربع مناطق أوكرانية.
وإذا صح هذا الاستنتاج فهو يعنى أن اتفاق السلام الذى تريده موسكو لا يقتصر على الاحتفاظ بالمناطق التى ضمتها، أو معظم هذه المناطق، بل يشمل ترتيبات أمنية إقليمية جديدة، وخاصةً بعد ما تبين أن مشكلتها ليست مع أوكرانيا وحدها، بل مع أوروبا أيضًا.
وإذا كان التفاهم على مصير المناطق التى تسيطر عليها روسيا صعبًا، فالتوافق على الترتيبات الأمنية التى تريدها أكثر صعوبة خاصةً إذا أصرت على مطالبها المتضمنة فى الوثيقة التى قدمتها إلى كل من واشنطن وحلف «الناتو» ونشرتها فى الموقع الرسمى لوزارة خارجيتها فى 17 ديسمبر 2021. صيغت تلك الوثيقة فى صورة مشروع اتفاقية عنوانها: «اتفاق على إجراءات لضمان أمن الاتحاد الروسى والدول الأعضاء فى منظمة حلف شمال الأطلسي». وهى تتضمن التزام جميع الدول الأعضاء فى حلف «الناتو» بالامتناع عن أى توسيع إضافى لهذا الحلف، بما فى ذلك انضمام أوكرانيا وأى دولة أخري, وبعدم ممارسة أى أنشطة عسكرية فى أراضى أوكرانيا والدول الأخرى فى شرق أوروبا وجنوب القوقاز ووسط آسيا وفرض قيود على التحركات العسكرية لهذه الدول.
ودلالة ذلك أن الهدف الاستراتيجى لروسيا هو خلق وضع جديد تُفرض فيه قيود على حركة دول حلف «الناتو» فى شرق أوروبا على الأقل، ومنع انضمام دول أخرى فى هذه المنطقة إليه, من ثم إجراء تغيير جوهرى فى نظام الأمن الإقليمي. فما تريده روسيا فى أى اتفاق لإنهاء الحرب وبناء السلام يتجاوز أوكرانيا بكثير، الأمر الذى يجعل الطريق إلى هذا الاتفاق شديد الوعورة.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: