شىء من التشويش يشوب رؤية الإدارة الأمريكية الحالية بشأن كيفية تحقيق هدفها فى «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». تبدو هذه الرؤية مشتتةً بين عقد صفقات ضخمة لتعظيم الاقتصاد الأمريكى، وضم أو الاستيلاء أو امتلاك دول ومناطق معينة. فقد تحدث الرئيس ترامب عن ضم كندا لتصبح الولاية الأمريكية رقم 51، وعن الاستيلاء على جزيرة جرينلاند، وعن امتلاك قطاع غزة، وكذلك عن السيطرة على قناة بنما. كما يبدو أن التداعيات المتعلقة ببعض الصفقات المراد عقدها والمناطق المرغوب فى ضمها أو امتلاكها لم تُدرس دراسةً جادة أو كافية.
ولعل حالة كندا الدليل الأكثر وضوحًا على غياب مثل هذه الدراسة. الاتجاه الغالب فى المجتمع الكندى ليبرالى، بل ليبرالى جدًا فى معظمه. كما أن التيار المحافظ فيها وسطى ومعتدل وليس متشددًا. والخلافات بين التيارين محدودة، الأمر الذى يجعل ضم كندا أو انضمامها خطرًا على الحزب الجمهورى بصفة عامة، وعلى التيار «الترامبى» الغالب فيه الآن بصفة خاصة. فمن شأن هذا الضم أو الانضمام أن يجعل التيار الليبرالى فى الولايات المتحدة غالبًا، وأن يضيف إلى رصيد الحزب الديمقراطى على حساب حزب ترامب وإدارته. سيضاف فى هذه الحالة أكثر من 28 مليون ناخب كندى معظمهم ليبرالى، ويتوقع بالتالى أن يقترعوا لمصلحة الحزب الديمقراطى ومرشحيه.
وقد حصل الحزب الليبرالى على تأييد نحو 8 ملايين ونصف المليون ناخب فى الانتخابات الكندية فى أبريل الماضى. صحيح أن حزب المحافظين حصل على عدد قريب منه (8 ملايين ومائة ألف صوت). ولكن الحزب الليبرالى الفائز الأول ليس وحده الذى يعبر عن التيار الليبرالى.
توجد أحزاب أخرى تقع فى مساحة بين اليسار ويسار الوسط، وهى قريبة جداً من التيار الليبرالى، وسيقترع مؤيدوها للحزب الديمقراطى فى حالة الانضمام إلى الولايات المتحدة. وقد حصلت كتلة كيبك مثلاً على مليون وربع المليون صوت، ونال الحزب الديمقراطى الجديد أكثر من مليون فى الانتخابات الأخيرة.
انضمام كندا إلى الولايات المتحدة، إذن، ليس فى مصلحة التيار المحافظ الذى تعبر عنه الإدارة التى تريد ضمها، سواء «الترامبيون» فيه أو غيرهم.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: