لماذا تضاعف إنتاج ودخول الأفراد في دول شرق آسيا، بينما تتعثر كثير من مصانعنا ومؤسساتنا؟
خلال زيارتي إلى الصين، ومتابعتي التطور الكبير في دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وغيرها، وجدت أن من أهم العوامل المشتركة قيم إحترام العمل فمن النادر أن تجد عاملاً يتغيب مهما كانت الظروف، ويحرص كل عامل وموظف على تسهيل مهام زملائه. حتى أن من يأتي مبكرًا يركن سيارته بعيدًا ليفسح مكانًا لمن يأتي متأخرًا.
هذا الانضباط لا يعتمد على مبدأ الثواب والعقاب بقدر ما يعتمد على القيم والأخلاق التي ترى أن العمل الجاد والمهارة هما مفتاح حياة أفضل ومستقبل مشرق للأجيال الجديدة. لا وقت للنميمة، أو لتضييع الوقت في القيل والقال، أو في انتقاد الآخرين ورميهم بما يسيء.
هذه المنظومة من القيم كانت مفتاح نجاح تلك الدول، فقد اعتادوا عليها منذ بدايات حياتهم، في المدرسة، وفي الأسرة، ومن خلال النماذج التي يرونها تحقق النجاح.
للأسف، نحن في أشد الحاجة إلى إعادة إحياء قيمنا التي كانت سر نهضتنا، وقد تآكلت لأسباب كثيرة.
رأيت مؤسسات عامة تكاد لا تعمل إلا بجزء يسير جدًا من طاقتها. كثيرون يتهربون من مجرد الحضور، يوقعون في كشوف الحضور ويمضون بلا عمل. ومن يدخل المؤسسة يضيع وقته في سماع الشائعات، وغالبًا ما يرددها دون التحقق منها، ويمضي وقته في كيل الانتقادات، ويشكو من قلة الأجر أو الحوافز.
أي حافز وأنت لم تبذل جهدًا، بل نادرًا ما تحضر أو تنجز شيئًا؟
ولأن الغالبية على هذا النحو، قد تجد رأيًا عامًا يدافع عن هذا السلوك، دون أن يسأل أحدهم نفسه عن مدى قيامه بواجباته في النهوض بمؤسسته، بل يلقي باللوم على من يرأسه أو يقود المؤسسة، ليبرئ نفسه من أي تقصير. هذا النوع من السلوك لا يمكن أن يؤدي إلى أي تحسن في الإنتاج، ولا يدفع أي عامل أو موظف أو مهني إلى تطوير قدراته. والأسهل دائمًا هو النيل من الآخرين وإدانتهم، فتكون النتيجة حالة من الفوضى، وتراجعا في الإنتاج والجودة والكفاءة، وحالة من التسيب يصعب إصلاحها. إننا بحاجة إلى تكريس قيمة العمل، وأن يدرك كل فرد أن نهضة الأمة تقوم على العلم والعمل، والقيم، والضمير الجمعي الذي يوحد طاقات الأمة نحو التقدم، في إطار من العلاقات الراقية.
وهنا أرى أن على رجال الأعمال مهمة أساسية في ترسيخ هذا الضمير الجمعي، الذي طالما ميز شعب مصر منذ القدم. وعليهم أن يضعوا أهدافًا وطنية لمشروعاتهم وعلاقات العمل، وألا يقتصر اهتمامهم على تحقيق أعلى ربح، بل يوجّهوا قدراتهم واستثماراتهم نحو المشروعات التي نحتاجها، ويرسخوا علاقات عمل تهتم برفع الإنتاجية ومهارات العاملين، والتعامل معهم بكل مودة واحترام، وتقدير كل عمل جيد.
عندئذ، ستكون النهضة الشاملة في متناول أيدينا.
لمزيد من مقالات عــــلاء ثــابت رابط دائم: