كان المشهد مهيبا، فى الساحة الحمراء بالعاصمة الروسية، يحمل دلالات واضحة أن الاحتفال بالذكرى 80 لعيد النصر هذا العام له خصوصية لدى روسيا الاتحادية حكومة وشعبا؛ فمظاهر الاحتفالات لم تقتصر على الجانب الرسمى فى قلب موسكو، لكن امتدت إلى كل شوارعها، وكان من اللافت حرص الروس على التعبير عن اعتزازهم بهذه الذكرى من خلال رفع الأعلام على سياراتهم أو التلويح بها وترديد الأغانى الوطنية التى تخلد ذكرى النصر.
رسميا، حرصت روسيا على أن يشاركها الاحتفال بذكرى هذا اليوم الذى غير مجرى تاريخها دول صديقة تربطها بها علاقات تعاون استراتيجى، وكانت مصر فى مقدمة هذه الدول.
الرئيس عبدالفتاح السيسى حرص على تلبية دعوة الرئيس فلاديمير بوتين؛ للمشاركة فى الاحتفال؛ تأكيدا للعلاقات الراسخة والتاريخية التي تربط بين البلدين والشعبين الصديقين، وهو ما لقى تقديرا كبيرا من الرئيس الروسى.
وفى إشارة واضحة للمكانة التى وصلت إليها العلاقات المصرية ــ الروسية، فى العقد الأخير، شاركت مجموعة من الشرطة العسكرية المصرية ــ ممثلة للقوات المسلحة ــ فى العرض العسكرى بالساحة الحمراء، إلى جانب عناصر من عدة دول أخرى.
إن التطور المتنامى للعلاقات بين مصر وروسيا فى مختلف المجالات يرتكز على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة التى تم تدشينها فى 2018، والتى تشمل عددا من أهم المشروعات المشتركةـ مثل المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ومحطة الضبعة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية؛ لتكون بمنزلة انطلاقة جديدة للعلاقات والتعاون الثنائي، كما كان مشروع السد العالى علامة فارقة فى العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتى.
فى موسكو، تستطيع أن تلاحظ بوضوح أن الرئيس السيسى يحظى بتقدير وحفاوة خاصة، تعكس عمق العلاقات المتميزة بين الدولتين والزعيمين السيسى وبوتين؛ ما منح مباحثات القمة بين الزعيمين فى العاصمة الروسية، المزيد من الدلالات والزخم، فبينما شهدت تأكيد أهمية مخرجات اللجنة المشتركة بين البلدين المقرر لها مايو الحالى، فى تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، كان لمستجدات القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك نصيب كبير من المباحثات، والتى جدد خلالها الرئيس السيسى تأكيد موقف مصر الداعى إلى الحلول الدبلوماسية للأزمات الدولية بما يحفظ السلم والأمن الدوليين.

يجمع مصر وروسيا تاريخ من العلاقات الضاربة الجذور فى ميادين شتى، ما يجعلها علاقات «ضرورية» للدولتين
ومن خلال متابعتى لمجريات زيارة الرئيس السيسى إلى موسكو ومشاركته فى الاحتفالات بعيد النصر والقمة المصرية- الروسية؛ ربما جاز ليّ رصد النقاط التالية:
إن العلاقات المصرية- الروسية تتمتع بخصوصية عميقة، وإن التنامي المتزايد فى علاقات التعاون دليل على رسوخها، خاصة مع الحوار الاستراتيجي بين البلدين والنمو غير المسبوق فى حركة التجارة بينهما.
إن المشروعات الكبرى بين القاهرة وموسكو ستغدو «علامات مضيئة» جديدة فى مسيرة التعاون الثنائى، وصرحا ضخما فى بنيان شراكة ممتدة.
إن تعزيز مستوى التنسيق والتواصل مع روسيا ضرورة تفرضها المصالح المشتركة، وإن الوصول إلى مستقبل أفضل للجميع لن يتحقق إلا بمزيد من التعاون وتنسيق المواقف، فى ضوء احترام وتقدير متبادل؛ سعيا لتحقيق التنمية والرخاء وتلبية تطلعات الشعوب.
إن روسيا ستظل الصديق الوفي، يؤكد ذلك تقارب الرؤى والتشاور المستمر فى المحافل الدولية؛ أكد سيد الكرملين أن العلاقات بين القاهرة وموسكو تتطور بنجاح، مستندة إلى «اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجى»، منوها بأن مصر أحد الشركاء الرئيسيين لبلاده فى إفريقيا.
إن ما رأيته ــ هنا فى موسكو ــ من حفاوة الاستقبال والترحيب بالرئيس السيسى أمر له دلالته التي لا تخطئها العين، ولا تغيب عن رؤية المتابع لمجريات العلاقات بين الدول، لاسيما إذا كانت فى قيمة ومكانة مصر وروسيا، وإن كل قمة تجمع الزعيمين السيسى وبوتين تضيف «لبنة» في صرح التعاون بين دولتين مهمتين: «مصر» الدولة المحورية ذات الثقل في محيطها الجغرافي وعمقها الاستراتيجي بالشرق الأوسط وإفريقيا، نظرا لمكانتها ودورها الريادي على المستويين الإقليمي والدولي. و«روسيا» إحدى القوى العظمى، والقطب الدولي المشارك فى إدارة النظام العالمى.
تجمع القاهرة وموسكو روابط مشتركة، تفتح صفحات أكثر تفاؤلا، فى علاقات قائمة على ثقة بقدرات الدولتين؛ ما يعزز سعي القيادة المصرية إلى تنويع شراكاتها الدولية، حفاظا على توازن علاقاتها الخارجية، مع الشرق والغرب، من أجل توسيع استقلالها الاستراتيجى، وتعظيم العوائد الجيوسياسية والاقتصادية، في المقابل ترغب روسيا فى أن تجني الثمار الطيبة والناضجة لتعاونها مع مصر، على المستويات كافة، بوصفها بوابة الشرق الأوسط وإفريقيا.
*****
إن كل قمة تجمع الزعيمين السيسى وبوتين تضيف «لبنة» فى صرح التعاون بين «مصر» الدولة المحورية ذات الثقل فى محيطها الجغرافي وعمقها الاستراتيجى بالشرق الأوسط وإفريقيا، و«روسيا» إحدى القوى العظمى، والقطب الدولي المشارك فى إدارة النظام العالمى.
[email protected]لمزيد من مقالات مـاجــــد منير يكتب من موسكو: رابط دائم: