بينما لا تتوقف العواصف التى تضرب إقليم الشرق الأوسط، ولا تهدأ، وتتواصل موجات الاضطرابات، وتتلبد سماء الأمل بغيوم اليأس، تتحرك مصر فى مساراتها المرسومة بعناية، للتعامل مع هذه المتغيرات الحادة وتبعاتها، وفق ثوابت مستقرة، ومرونة مدروسة؛ سعيا للحفاظ على المصالح الوطنية وتأمين مستقبل المنطقة وشعوبها.
والثوابت المصرية تشكلت عبر الدور الريادى لمصر مع أشقائها فى مواجهة مختلف الأزمات، فمصر، وقيادتها، لم تكن فى يوم من الأيام، بعيدة عن القضايا العربية، بل دائما فى المقدمة تتحمل المسئولية كاملة، تبذل كل ما فى وسعها من أجل حماية المصالح العربية، وبالقدر نفسه، تحرص على حماية مصالح الوطن، وحدوده وأمنه القومي، وسيسطر التاريخ بأحرف من نور الثوابت والمواقف المصرية الداعمة لأمن واستقرار وسلام الشرق الأوسط.
مصر تحملت عبء إعداد طرح بديل لمواجهة أطروحات تصفية القضية الفلسطينية، عبر تهجير الفلسطينيين، تحت مسمى «إعادة إعمار غزة»، لتأتى الخطة المصرية التى حظيت بدعم عربى وإسلامى كامل، بعنوان «التعافى المبكر وإعادة إعمار وتنمية غزة»، شاملة لكل ما يتعلق بالنواحى الإنسانية والاقتصادية والفنية، إلى جانب فتح الأفق السياسى لتدشين فرصة جديدة، لا تقتصر على التعامل مع أوضاع مؤقتة، وإنما تستهدف تحقيق السلام العادل، عبر حصول الشعب الفلسطينى على حقه فى دولته، وهو ما أكدته صحيفة «واشنطن بوست» مؤخرا حين أشارت إلى أن الخطة المصرية المدعومة عربيا وإسلاميا ودوليا هى الخيار العملى الوحيد المطروح القابل للتطبيق، ووجهت النصيحة للإدارة الأمريكية للتعامل بجدية مع الخطة وإنجاح تنفيذها.
وعلى مدى الشهور الأخيرة، وقبلها عقود طويلة، لم تتغير الثوابت المصرية، وتوجهات سياستها الخارجية، وهى تقوم بدورها التاريخى تجاه القضية الفلسطينية، بالتأكيد على أن السلام العادل والشامل، هو المسار الوحيد لتحقيق الأمن الحقيقى والمستدام فى هذا الإقليم المضطرب، ولذلك بادرت بطرح المقترحات، والتأكيد على ضرورة بدء مسار سياسى حقيقى، لإيجاد تسوية مستدامة للقضية بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

حظيت الخطة المصرية للتعافى المبكر وإعادة إعمار غزة بتأييد ودعم عربى ودولى واسع، وهى تمثل مخرجا متميز
ورغم كل المتغيرات الحادة، والتهديدات المتزايدة، التى تمر بها المنطقة، ظل الموقف المصرى ثابتا وراسخا، وهو ما يحرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على تأكيده باستمرار، وأشار إليه بوضوح مؤخرا؛ حين قال فى كلمته خلال الاحتفال بيوم الشهيد: «على الرغم من الأحداث المتلاحقة، التى يمر بها العالم ومنطقتنا، والمخاطر والتهديدات التى خلفت واقعا مضطربا، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومساعى مصر الدائمة لتقديم رؤى من أجل تحقيق الأمن والسلم للمنطقة، كفاعــل رئيسـى فـى هـذه القضية.. والتى أوضحت فيها مصر منذ بدايتها، موقفا ثابتا راسخا، بأنه لا حل لهذه القضية، إلا من خلال العمل على تحقيق العدل، وإقامة الدولة الفلسطينية، وعدم القبول بتهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، تحت أى مسمى.. ولم يكن هذا الموقف ليتحقق، إلا بوعى الشعب المصرى، واصطفافه حول القيادة السياسية، معبرا وبجلاء عن صدق النية وحب الوطن.. واسمحوا لى بأن أقدم تحية للشعب الفلسطينى الصامد فوق أرضه، مؤكدا أننا سنقدم لهم كل عمل من شأنه أن يساندهم فى معركة البقاء والمصير.»
وإذا كانت التحية واجبة للشعب الفلسطينى، الصامد والثابت على أرضه، فإن الرئيس السيسى أعرب فى أكثر من مناسبة عن تقديره للشعب المصرى، ووعيه بالتهديدات والمخاطر التى تواجهها الدولة المصرية، وفى زيارته مؤخرا لكل من الأكاديمية العسكرية المصرية، وأكاديمية الشرطة حرص الرئيس مجددا، على تأكيد تقديره لصلابة وتماسك الجبهة الداخلية، مشددا على أن المرحلة الراهنة تتطلب الوعى، والإدراك الصحيح، بكافة القضايا والموضوعات التى تطرأ على الساحة؛ بما يعزز دعم ركائز الأمن القومى المصرى.
وأستطيع أن أؤكد أن الشعب المصرى عنده من الوعى، ما يكفى لأن يستوعب ما يحاك ضد الدولة، وما يدبر فى الخفاء، لينتشر على مواقع التواصل الاجتماعى حافلا بالكثير من الشائعات والأكاذيب والافتراءات، بهدف الخداع، وإيقاع الشعب فى الشراك، ولكن هذا بعيد المنال؛ بوعى الشعب المصرى الذى يدرك أهمية صلابة الجبهة الداخلية للتصدى لأى تهديدات خارجية.
أعود مرة أخرى فى نهاية المقال إلى خطة «التعافى المبكر وإعادة إعمار وتنمية غزة»، التى أصبحت حديث العالم، لأؤكد أنها عمل عظيم، تقدمه مصر بالتعاون مع دولة فلسطين والمؤسسات الدولية، لفتح الطريق نحو مستقبل آمن ومستقر للمنطقة، فى لحظة حرجة، وفرصة يجب الاستفادة منها، والبناء عليها، خاصة أن الخطة التى تتكلف نحو 53 مليار دولار بمراحلها الثلاث، شاملة ومتكاملة، ففى المرحلة الأولى، المخطط لها ستة أشهر وتتكلف 3 مليارات دولار، يتم إزالة الركام والذخائر غير المتفجرة، وبناء 200 ألف منزل مؤقت لأكثر من مليون شخص، وإصلاح حوالى 60 ألف مبنى يمكن ترميمه، بينما تستمر المرحلة الثانية، ثلاث سنوات، سيتم خلالها بناء حوالى 400 ألف منزل دائم، واستعادة خدمات المياه والكهرباء والاتصالات، وإعادة بناء ميناء غزة ومطارها الدولي، وهذه المرحلة من المتوقع أن تتكلف 20 مليار دولار.. أما المرحلة الثالثة، التى ستتكلف 30 مليار دولار على مدار عامين ونصف العام، فستشهد اكتمال بناء المنازل لجميع السكان، وإنشاء منطقة صناعية وموانئ تجارية جديدة.
لعقود طويلة، احتلت القضية الفلسطينية مركز القلب من مصر، التى سبقت الجميع إلى طرح حلول فعلية للقضية التاريخية، للحفاظ على حقوق الأشقاء الفلسطينيين؛ فمصر التى قدمت شهداء من أبنائها من أجل نصرة القضية الفلسطينية، لا يمكن أن تتأخر للحظة عن المساعدة، وتقديم الحلول، وفتح مسارات الأمل، فهذا هو قدرها، ودورها، والتاريخ سيظل خير شاهد!.
***
خطة «التعافى المبكر وإعادة إعمار وتنمية غزة»، أصبحت حديث العالم، إنها عمل عظيم، تقدمه مصر بالتعاون مع دولة فلسطين والمؤسسات الدولية، لفتح الطريق نحو مستقبل آمن ومستقر للمنطقة، فى لحظة حرجة، وفرصة يجب الاستفادة منها، والبناء عليها.
[email protected]لمزيد من مقالات ماجد منير رابط دائم: