رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

كلام ثابت
الحنين إلى البساطة

مازالت ذكريات شهر رمضان فى الطفولة والصِّبا واضحة فى ذهنى. هل لأنَّ هذا العمر مليء بالاندهاش والاكتشاف؟ أم أن أجواء زمان كانت أكثر دفئًا فى علاقاتها الاجتماعية؟ أم أن البساطة التى كنا نعيشها كانت أكثر متعة؟

العالم الكبير أصبح صغيرًا فى أنظارنا، نستطيع بضغطة زر أن نتابع ما يدور على بُعد آلاف الكيلومترات، وفى دول وقارات بعيدة، بينما كان عالمنا الصغير فى بلدتى فى الصعيد كبيرًا، كان مليئًا بالتشويق رغم فقره وبساطته مقارنةً بإيقاع عالمنا اليوم. كنا نسعد بقطعة صغيرة من الحلوى، وكان طعمها ألذَّ بكثير من أشهى الأطعمة التى أتناولها اليوم.

كنا نذهب قرب المسجد، ونهلِّل عندما يأتى المؤذن، ونترقَّب انطلاق الأذان، وكان تحلُّقنا حول مائدة الطعام مليئًا بالدفء، وكانت الكنافة والقطايف التى كانت تُعدها أمى.

لم تدخل الأطعمة أو الحلوى والمشروبات الجاهزة منزلنا فى بلدتى الصغيرة فى الأقصر، ولم أعرفها إلا عند دخولى الجامعة فى القاهرة، ولم أستسغها عندما اضطررت إلى تناولها. ومع كل وجبة.

وعندما قضيتُ أول رمضان لى فى القاهرة، فكانت أكثر الأيام صعوبة. وأتذكر رفاقى الصغار ونحن نعدُّ زينة شارعنا، ونلهو بألعابنا البسيطة، وصحبة أبى وإخوتى فى صلاة التراويح، وصحونا قبل السحور، ولهفتنا على رؤية المسحراتى وهو ينادينا بأسمائنا، وكثيرًا من التفاصيل الصغيرة التى كانت تملؤنى بالبهجة.

وأعود إلى التساؤل والقلق بشأن مستقبل علاقاتنا الاجتماعية، التى تراجعت أمام هجمات التكنولوجيا، وأتخوَّف من خطوات الذكاء الاصطناعى وما قد يحمله لنا من مخاطر الانقطاع عن حياتنا البسيطة والطبيعية، حتى لو كانت ميسورة وسهلة مقارنةً بما كنا عليه. وأخشى أن نعتاد على الأشياء المصطنعة، فتتراجع المشاعر أمام تفوق الذكاء الاصطناعي.

وأقول: ما قيمة أن تكون الحياة ميسورة إذا كانت المشاعر متراجعة فى صخب العولمة؟ وأتمنى أن أعود إلى بلدتى كما كانت فى طفولتى وصباي، والتى تغيرت ملامحها مع الزمن، وأصبحت تشبه المدينة، ونالت منها العولمة والتكنولوجيا، وسينال منها الذكاء الاصطناعى بروبوتاته الذكية الخالية من المشاعر.


لمزيد من مقالات عــــلاء ثــابت

رابط دائم: