23 قرارا تضمنها البيان الختامى للقمة العربية غير العادية التى دعت لها مصر، واستضافتها بالعاصمة الإدارية أمس الأول، شكلت بوضوح الموقف العربى الموحد، ليس فقط فيما يخص ما شهده ويشهده قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 حتى اليوم أو الأحداث المتصاعدة فى الضفة الغربية، وإنما فى التعامل مع ما يواجهه الإقليم من مخططات لإعادة رسم خرائط المنطقة وتهديد لدول مستقرة.
-
يظل الموقف المصرى الثابت تجاه القضية الفلسطينية هو «النواة الصلبة» والقوة الدافعة لوصول الشعب الفلسطينى إلى حقوقه المشروعة فلطالما كانت مصر وستظل هى قلب الأمة النابض وجدار الحماية الواقى مهما تكن التحديات والأوجاع المحيطة
جاءت دعوة مصر لعقد قمة عربية طارئة فى لحظة مفصلية، فى تاريخ أمتنا العربية ومنطقة الشرق الأوسط، والتى لم تتوقف منذ سنوات مخططات إعادة تشكيلها، تارة تحت مسمى الفوضى الخلاقة، وأخرى بشعارات زائفة كالربيع العربى قضت على دول وطنية؛ تمهيدا للوصول إلى المرحلة الحالية التى تحيط فيها الأخطار بقضية العرب المركزية لتصفيتها بالتهجير أيا كان مسماه أو أسبابه.
خارطة الطريق التى اعتمدها القادة فى البيان الختامى للقمة تحدد غايات الأمة العربية وسبل تحقيقها، وفى القلب منها القضية الفلسطينية التى لا أبالغ إذا ما أكدت أنها مرت بمنعطف تاريخى يوم 4 مارس 2025 سيكون له عظيم الأثر فى تشكيل ملامح مستقبلها، خاصة بعد اعتماد الخطة المصرية ــ العربية لإعادة إعمار قطاع غزة بوجود الشعب الفلسطينى دون تهجير؛ توطئة لتحرك شامل من أجل تسوية عادلة وشاملة للقضية ووضع نهاية للصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى، من خلال حل الدولتين.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023 لم تتغير ثوابت مصر وتوجهات بوصلتها ومع الرصاصة الأولى فى الحرب على غزة أدركت مصر أن مرحلة جديدة قد بدأت فى الشرق الأوسط، توقعت مخاطرها وتداعياتها وحرصت مصر من لحظتها على إدارة الموقف وتطوراته بالمبادرة بطرح المقترحات، وتأكيد بدء مسار سياسى حقيقى لإيجاد تسوية مستدامة للقضية بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
مصر، وهى تقوم بدورها التاريخى تجاه قضية فلسطين، تؤكد على الدوام أن السلام العادل والشامل هو المسار الوحيد لتحقيق الأمن الحقيقى والمستدام، وهذا هو نهجها الذى تتمسك به، وأعلنته مرارا وشدد عليه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلمته أمام القادة العرب بافتتاح القمة العربية الطارئة (قمة فلسطين)، حينما قال: «إننى أستذكر معكم، فى هذا الظرف الدقيق، أن مصر التى دشنت السلام، منذ ما يناهز خمسة عقود فى منطقتنا، وحرصت عليه، وصانت عهودها حياله.. لا تعرف سوى السلام القائم على الحق والعدل الذى يحمى المقدرات، ويصـون الأرض ويحفــظ السـيادة.. ولعل هذا ما ورد ــ بشكل لا يقبل التأويل ــ فى معاهدة السلام التى أبرمتها مصر عام 1979.. وألزمت كل طرف احترام سيادة الآخر وسلامة أراضيه.. وبما يفرض التزاما قانونيا، بعدم خلق واقع طارد للسكان خارج أراضيهم، كونه يمثل انتهاكا.. للالتزام باحترام قدسية الحدود الآمنة».
واذا كانت مصر تحملت عبء إعداد طرح بديل لمقترحات إعادة إعمار غزة التى تضمنت تهجير الفلسطينيين خارج القطاع، فإنها لم تقصر صياغة تصوراتها على إعادة الإعمار ومنع التهجير، إنما حرصت مصر فى خطتها «التعافى المبكر وإعادة إعمار وتنمية غزة» ــ التى اعتمدتها القمة العربية الطارئة ــ على تضمين الأفق السياسى إلى جانب كل ما يتعلق بالنواحى الإنسانية والاقتصادية والفنية؛ لتكون الرسالة التى تحملها الخطة واضحة وشاملة، وليست مقصورة على أوضاع مؤقتة؛ فالغاية هى السلام، والطريق «حل الدولتين».
خطة إعادة إعمار غزة التى عملت مصر، بالتعاون مع دولة فلسطين والمؤسسات الدولية، على بلورتها هى فى الحقيقة خطة شاملة، تكفل للشعب الفلسطينى حقه فى إعادة بناء وطنه وتضمن بقاءه على أرضه، وتتكامل مع ما تم الاتفاق عليه بشأن تشكيل لجنة إدارية من الفلسطينيين المهنيين والتكنوقراط المستقلين لإدارة غزة والإشراف على عملية الإغاثة وإدارة شئون القطاع فترة مؤقتة، وذلك تمهيدا لعودة السلطة الفلسطينية للقطاع.
الخطة المصرية ــ العربية وحدها لن تكون كافية لتحقيق السلام، هذا ما أشار اليه الرئيس، حين قال: «لننظر إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التى تم التوصل إليها بوساطة أمريكية عام 1979، كنموذج يحتذى، لتحويل حالة العداء والحرب والرغبة فى الانتقام.. إلى سلام دائم، وعلاقات دبلوماسية متبادلة.. لقد آن الأوان لتبنى إطلاق مسار سياسى جاد وفعال.. يفضى إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية.. ولدى يقين بأن الرئيس (ترامب).. قادر على القيام بذلك، فى ظل رغبتنا الصادقة فى وضع نهاية للتوترات والعداءات فى منطقتنا».
من المهم الآن أن تلتقط الأطراف المعنية الرسالة المصرية ــ العربية، وأن تتضافر الجهود لتدشين مسار السلام الذى دونه سيبقى حلم الاستقرار والتنمية والازدهار بعيد المنال.
***
خطة إعادة إعمار غزة التى عملت مصر، بالتعاون مع دولة فلسطين والمؤسسات الدولية، على بلورتها هى فى الحقيقة خطة شاملة تكفل للشعب الفلسطينى حقه فى إعادة بناء وطنه وتضمن بقاءه على أرضه.
[email protected]لمزيد من مقالات مـاجــــد منير رابط دائم: