رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

كلام ثابت
معاقبة الفضيلة

عندما تعافى زوجها من عملية قلب مفتوح خطيرة، أقعدته فترة طويلة، وفى أول يوم عاد فيه إلى عمله كمدير لمدرسة ابتدائية، توجهت الزوجة، التى تعمل فى مدرسة أخري، لترى زوجها فى هذا اليوم المميز، وحملت بين يديها باقة ورد، كأنها تحمل امتنانها للحياة التى أعادته إليها. وأمام طابور الصباح، قدمت له الورد، وانحنت فى احترام، وقبّلت يده فى لحظة تفيض بالعرفان والوفاء.

أمسكت بمكبر الصوت، وتحدثت بصوت دافئ عن دور الزوج والأب، عن صبره وتحمله، وعن فرحة الأسرة بتعافيه. دوى التصفيق فى الأرجاء، وتحوّلت تلك اللحظة إلى درس فى الحب والاحترام. بعض الطلاب والمعلمين التقطوا مقطع فيديو للواقعة، ونشروه على مواقع التواصل، حيث أثار مشاعر الإعجاب والاحترام.

لكن، وكما يحدث فى كثير من قصص الواقع، لم ترَ الإدارة التعليمية فى هذا المشهد إلا خروجًا عن مقتضيات الوظيفة. استدعت الزوجة والزوج، وبدلًا من تكريمهما على هذا النموذج الإنسانى الرفيع، عاقبتهما بالخصم من الراتب، ونقلتهما إلى منطقة أخري، وكأن الوفاء أصبح تهمة تستحق العقاب.

أثارت هذه العقوبة دهشة الجميع: زملاء، طلاب، وأهالى المنطقة. رأوا فى الواقعة نموذجًا تربويًا يعلّم الطلاب أن الحب والاحترام هما أساس الحياة، وأن التعبير عن الامتنان ليس جريمة، بل قيمة إنسانية سامية. فهل حقًا ارتكبت الزوجة الوفية ما يستوجب العقاب؟ هل خروجها على القيم كان فى تقديم الزهور لزوجها، فى تقبيل يده أمام طلابه، فى الاحتفاء بعودته إلى الحياة والعمل؟

يا مديرية التعليم عن أى قيم تتحدثون؟ وأى مقتضيات وظيفية تُجرّم لحظة إنسانية كهذه؟ ألا ترون ما يحدث فى المدارس من خروج حقيقى عن القيم فى حفلات التخرج، وانتشار الدروس الخصوصية، وإجبار الطلاب عليها؟ ألا ترون التردى القيمى فى الكثير من مدارسنا؟ ماذا فعلت هذه السيدة التربوية ليُقال إنها خرجت عن القيم؟ هل أصبح تقديم الزهور جريمة تخل بالأخلاق؟

لقد أحزننى ما لحق بهذين التربويين من عقاب، فى الوقت الذى كان ينبغى فيه تهنئتهما. كان على الإدارة التعليمية أن ترسل باقة ورد إلى الزوج المربي، وأن تحتفى بعودته بدلًا من أن تحيله إلى التحقيق وتُنزل به العقاب. وأرى أنه على وزارة التعليم أن تعيد النظر فى قرارها، وأن تعيد للزوجين اعتبارهُما، وأن تقدم لهما التحية والتقدير، لا الخصم والنقل.

لو كنتُ فى مكان وزير التعليم لأرسلت مندوبًا إلى المدرستين، ليحضر طابور الصباح، ويشيد بهذا النموذج التربوى النبيل، فالقيم الحقيقية تُبنى بالمحبة والاحترام، لا بالعقاب والجفاء. ومتى استوعبنا ذلك ربما نجد لمدارسنا أملًا فى غدٍ أجمل.


لمزيد من مقالات عــــلاء ثــابت

رابط دائم: