فى تاريخ الدول أحداث فارقة، تؤثر فى معالم حاضرها، وتشكل ملامح مستقبلها، وكل دولة، بقدرتها على التعامل مع تطورات الأحداث، بإدارة واعية، وإرادة قوية، تتمكن من تحقيق مصالحها الوطنية والحفاظ عليها.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، ومع الرصاصة الأولى فى الحرب على غزة، بدأت مرحلة جديدة فى إقليم الشرق الأوسط، وأدركت مصر مبكرا مخاطرها وتداعياتها. ومن البدايات الأولى لتصاعد الأحداث- حتى كتابة هذا المقال– تدير الدولة المصرية الموقف بالحسم فى القرار، ومرونة التحرك، والتواصل المستمر مع كل الأطراف الفاعلة، والمبادرة بطرح المقترحات، والتأكيد على بدء مسار سياسى حقيقي، لإيجاد تسوية مستدامة للقضية الفلسطينية، بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
ولم تتغير بوصلة مصر وثوابتها، فى 15 شهرا، وراهن الرئيس عبدالفتاح السيسى على وعى ووحدة المصريين واصطفافهم، لأنه يعلم أنها الضامن لبقاء مصر، بعد إرادة الله سبحانه وتعالي، والثابت الذى لا يقبل التغير أبدًا، وتلك كانت القوة الأولي، التى اعتمدت عليها الدولة، فى خوض شوط طويل فى التعامل مع أزمة جسيمة، تهدد المنطقة بالكامل.
واعتمد الرئيس، واثقا، على قوة الدولة المصرية، التى بُنيتْ فى السنوات الأخيرة، فحققت مصر ما كان مستحيلا، لو كنا فى تفكك وانقسام، وجاءت قوة الدولة من استقرارها، وتسليح وتحديث جيشها، والعلاقات الجيدة مع كل دول العالم، بسياسة الاتزان الإستراتيجى التى تتميز بها السياسة الخارجية المصرية.
مصر قبلت طوعا- وليس كرها- أن تقوم بدورها التاريخى تجاه القضية الفلسطينية، وهى تؤكد دوما أن السلام العادل والشامل، هو السبيل لتحقيق الأمن الحقيقى والمستدام، وهذا هو نهج مصر كما أشار الرئيس، حينما قال: «إن مصر.. دفعت ثمنًا هائلًا من أجل السلام فى هذه المنطقة.. بادرت به.. عندما كان صوت الحرب هو الأعلي.. وحافظت عليه وحدها.. عندما كان صوت المزايدات الجوفاء هو الأوحد.. وبقيت شامخة الرأس، تقود منطقتها، نحو التعايش السلمى القائم على العدل».

تظل مصر الداعم الأول والأكبر للقضية الفلسطينية عبر التاريخ، قدمت الغالى والنفيس، فى الحرب والسلم
وإذا كان السلام هو نهج مصر، وهو هدفها أيضًا، فإن الوصول إليه وتحقيقه ليس له إلا طريق واحد، وهو ما طرحه الرئيس من قبل حين قال: «تقول لكم مصر.. بكلمات ناصحة أمينة: إن حل القضية الفلسطينية، ليس التهجير.. وليس إزاحة شعب بأكمله إلى مناطق أخري.. بل إن حلها الوحيد، هو العدل، بحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة، فى تقرير المصير، والعيش بكرامة وأمان، فى دولة مستقلة على أرضهم.. مثلهم، مثل باقى شعوب الأرض».
أدركت مصر منذ بداية الأحداث وتداعياتها، ما ستؤول إليه الأمور، وما سيترتب عليها من طروحات ومخططات، فالتاريخ يخبرنا بنتائج المقدمات عبر التجارب السابقة، وفى حالة القضية الفلسطينية، وكما قال الرئيس، فإن ما حدث من قبل، ويحدث حاليا، هو نتائج لسنوات طويلة لم يتم فيها الوصول إلى حل للقضية؛ وهو ما يعنى أن جذور المشكلة لم يتم التعامل معها، ولنجد أنفسنا كل عدة سنوات أمام المقدمات والنتائج نفسها مع كل انفجار فى تطورات المواجهات.
وحذرت مصر من أن ما يحدث فى غزة، هدفه أن يصبح القطاع غير صالح للحياة، حتى يتم تهجير الفلسطينيين، ليستمر الظلم التاريخى للشعب الفلسطيني، الذى أكدت مصر أنها لا يمكن أن تشارك فيه، لتتمسك مصر مبكرا بطرح الحل، المنسى عمدا، لهذه القضية، وهو حل الدولتين، الذى بات يحظى بشبه توافق دولي، باعتباره الضمانة الوحيدة لتحقيق السلام الدائم، فى إقليم عانى لعقود من الاضطرابات والسلام المفقود.
تعلم مصر أن الطريق إلى حل الدولتين طويل، ومملوء بالمعوقات، لكنها لم ولن تفقد الأمل، خاصة فى ظل موقف عربي، بات أكثر وحدة وثباتا وإدراكا، أن اللحظة الراهنة ربما تكون الفرصة الأخيرة لاستعادة مسار السلام، ولذلك بادرت مصر بإعداد رؤية شاملة لإعادة إعمار غزة بوجود سكانه دون تهجير، لأن ذلك ببساطة أول خطوة فى طريق الوصول إلى حل الدولتين، وبدونها يتم تقويض كل الجهود الرامية لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط.. السلام الذى أكد رونالد لاودر، رئيس الكونجرس اليهودى العالمى خلال استقبال الرئيس السيسى له أنه «الأمل» وأنه يتعين تحقيقه من خلال حل الدولتين.
وستبقى دائما مصر فى الموعد، بما تقدمه من رؤى وحلول عملية قائمة على الواقع لا الخيال، لتظل السراجَ الذى يضيء الطريق لتحقيق العدالة للقضية ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني.. وعاشت مصر، عماد الاستقرار فى الشرق الأوسط، وخير سند وأكبر داعم للأشقاء فى فلسطين.. وتحيا مصر بجيشها وزعيمها القائد الرئيس عبدالفتاح السيسي.
***
إن اللحظة الراهنة ربما تكون الفرصة الأخيرة لاستعادة مسار السلام، ولذلك بادرت مصر بإعداد رؤية شاملة لإعادة إعمار غزة بوجود سكانه دون تهجير، لأن ذلك ببساطة أول خطوة فى طريق الوصول إلى حل الدولتين، وبدونها يتم تقويض كل الجهود الرامية لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط
[email protected]لمزيد من مقالات ماجد منير يكتب رابط دائم: