رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

ترامب والمؤسسية الأمريكية

يقصد بمفهوم «المؤسسية» أن القرار يصنع فى النظام السياسى من خلال المؤسسات السياسية والتى يكون لها الثقل الأكبر فى عملية صناعة القرار ، وبحيث يفوق دور هذه المؤسسات دور الأفراد، وهو ما يضمن تحقيق الاستمرارية فى القرارات السياسية وبحيث لا تتأثر تأثرا جوهريا بتغيير الأفراد وصولا إلى أعلى مؤسسات السلطة السياسية، ويفسر ذلك أن المؤسسات تعكس طبيعة وبيئة المجتمع، أو ما يطلق عليه خصوصية النظام مما يضمن الاستقرار، والاستمرارية فى السياسات وبحيث لا تحدث تغيرات فجائية فى الممارسات السياسية، أو فى القرارات سواء الداخلية منها أو الخارجية.

وبتطبيق ذلك على النظام الأمريكى يلاحظ أن هذا النظام يتسم فى سماته العامة بالمؤسسية، ويعرف فكرة التوازن، والضبط المتبادل بين السلطات، بمعنى أن السلطة تضبط السلطة، وأن السلطة توازن السلطة، وهو ما يكفل الاستقرار والاستمرارية فى السياسة الأمريكية حتى إذا تغير الرئيس الأمريكى كشخص، أو تغير الحزب الذى ينتمى إليه الرئيس.

وبطبيعة الحال يمكن أن تحدث بعض التغيرات نتيجة لتغير شخص الرئيس الأمريكي، أو تغير الحزب الذى ينتمى إليه الرئيس إلا أن هذه التغيرات غالبا ما تكون محدودة وغير جوهرية ، ولا تتعلق بالإستراتيجيات الجوهرية والأساسية، بل تتعلق بالوسائل والأدوات المتبعة لتحقيق هذه السياسات، ويمكن تفسير ذلك بطبيعة النظام الأمريكى وهو نظام رئاسى، أى يتسم بأهمية دور الرئيس الأمريكى فى النظام باعتباره قمة السلطة التنفيذية، ويأخذ النظام الأمريكى بنظام المجلسين فى السلطة التشريعية بمعنى أن البرلمان الأمريكى (الكونجرس) يتكون من مجلسين هما مجلس الشيوخ ومجلس النواب.

ويلاحظ أن الحزب الذى ينتمى إليه الرئيس ليس له الأغلبية بالضرورة فى مجلسى الكونجرس، فقد يكون له الأغلبية فى أحد المجلسين دون المجلس الآخر، وفى بعض الأحيان قد لا يكون له الأغلبية فى أى مجلس من مجلسى الكونجرس، ويختلف النظام الرئاسى فى هذه الجزئية عن النظام البرلماني، فالحزب الحاكم فى النظام البرلمانى يسيطر بالضرورة على العملية التشريعية من خلال ما يتمتع به من أغلبية فى البرلمان، بينما يختلف الوضع فى النظام الأمريكى الرئاسي، حيث يطلق اصطلاح الحزب الحاكم فى ذلك النظام على الحزب الذى ينتمى إليه رئيس الجمهورية، وهو الحزب الجمهورى الآن والذى ينتمى إليه الرئيس ترامب.

ولعل أحد مظاهر الخصوصية فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة التى فاز فيها الرئيس ترامب على مرشحة الحزب المنافس أى الحزب الديمقراطي، أن حزب الرئيس ترامب استطاع أيضا الحصول على أغلبية المقاعد فى الكونجرس، أى فى مجلس النواب والذى فاز فيه الجمهوريون بعدد 218 مقعدا مما يشكل أغلبية أعضاء المجلس والذين يبلغ عددهم 435 عضوا، كما فاز الحزب الجمهورى أيضا بأغلبية أعضاء مجلس الشيوخ بحصوله على 51 مقعدا من اجمالى عدد أعضاء مجلس الشيوخ والبالغ 100 عضو، كما فاز السيد ترامب المرشح عن الحزب الجمهورى بأغلبية التصويت الشعبى فى الانتخابات الرئاسية، إضافة أيضا إلى فوزه بالأغلبية فى المجمع الانتخابى والذى له تأثيره الكبير فى حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

ونتيجة لذلك فقد استطاع ترامب وحزبه السيطرة على قمة السلطة التنفيذية ممثلة فى منصب الرئاسة، كما استطاع أيضا السيطرة على السلطة التشريعية نتيجة الحصول على الأغلبية فى مجلسى الكونجرس (الشيوخ والنواب) هى ظاهرة لا تتكرر كثيرا فى الانتخابات الأمريكية، ويتيح ذلك للرئيس الأمريكى الحالى إمكانية تطبيق أجندته وقراراته ، وسياساته المختلفة سواء على مستوى الداخل الأمريكي، أو على مستوى العلاقات الدولية، ودون أن تواجه عملية تنفيذ قراراته أى صعوبة على المستوى المؤسسى إلا فى حالة وجود عائق قانوني.

وبعبارة أخرى يبدو الأمر أن ترامب متحرر نسبيا من القيود المؤسسية التى يمكن أن يمثلها الكونجرس فيما يتخذه من قرارات، ولذلك وفقا لما أعلنه فإنه سيركز على الجوانب الاقتصادية فى الداخل، والعمل على تحسين المستوى الاقتصادى والمعيشى للمواطن الأمريكي، وتخفيض الضرائب، كما يشغله أيضا موضوع المهاجرين إلى الولايات المتحدة، والحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك والتى يعتبرها بمثابة قضية أمن قومي، إضافة إلى موضوع اكتساب الجنسية الأمريكية لغير الأمريكيين يكون بالميلاد ، وعلى الأرجح أنه سيعمل على تحقيق أغلب هذه البنود نظرا لما يتمتع به من سيطرة على المؤسستين التشريعية والتنفيذية وهو ما دفع بعض المحللين إلى القول بإمكانية إحداث تغيرات فى الدستور الأمريكى تتيح زيادة الفترة الرئاسية من حيث عدد السنوات التى يستمر فيها الرئيس الأمريكى فى منصبه ، وعدد مرات تولى الرئاسة للشخص الواحد والمحددة بمدتين كحد أقصي.

ويمكن للرئيس ترامب أيضا اتخاذ قرارات وسياسات مهمة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وخصوصا مشكلة أوكرانيا، والملفات الساخنة فى الشرق الأوسط خصوصا التعامل مع إيران، وإسرائيل، والفلسطينيين وأمن البحر الأحمر، واحتواء الصين، دون أن تمثل المؤسسات ضغوطا عليه يعتد بها، وذلك نظرا لسيطرة حزبه عليها، وهو الأمر الذى يمكن الرئيس ترامب من تطبيق سياساته كفرد متحرر فى أغلب الوقت من الضغوط المؤسسية.

> أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة


لمزيد من مقالات د. إكرام بدرالدين

رابط دائم: