كان أجدادنا العظماء من المصريين القدماء يتبادلون التهانى بميلاد عام جديد بعبارة سنة «خضرا» مع فيضان النيل باعتبارهم أول زراع للأرض والحضارة، وأن امتلاءها بالخضرة من أهم علامات تجدد الحياة وتواصل النمو والنماء، ولا أجد أهم وأجمل ما أبدأ به أولى مقالاتى فى عام جديد من بشائر الأمل وإعادة ترتيب الأولويات ورد الحياة والاعتبار لقلاعنا الصناعية، وفى مقدمتها مصانع المحلة للغزل والنسيج ولنحو 64 مصنعا لها منتشرة فى أنحاء الجمهورية ولنعود لتصنيع أروع وأجمل ما كنا ننتجه من مفروشات وملابس كنا نستوردها بملايين من العملة الصعبة، ندفعها للذين كانوا يستوردون أقطاننا ويعيدون تصديرها مصنعة إلينا.. لقد كانت أفخر مفروشات القصور الملكية البريطانية من منسوجات أقطاننا وبما يفرض توجيه التحية والتقدير لرائد ومؤسس الاقتصاد المصرى الحديث العظيم طلعت حرب عندما أنشأها كشركة مساهمة مصرية وكإحدى شركات بنك مصر الذى تحدى بإنشائه هيمنة الاحتلال البريطانى على اقتصادنا، والادعاء بأن المصريين لا يملكون المهارات والخبرات الاقتصادية لإنشاء البنوك وإدارة اقتصادهم، ورغم ما تعرضت له مصانع المحلة من إهمال خلال سنوات طويلة لم تتوقف عن العمل ومساهمتها فى دعم الاقتصاد المصرى بأكثر من 40%، وبنفس النسبة شاركت فى إنشاء السد العالى وكان من منتجاتها التاريخية البيجامات الكستور التى أمر الرئيس السادات بأن يرتديها الأسرى الإسرائيليون ومصر تعيدهم إلى الكيان الإرهابى الصهيونى فى أرض فلسطين بعد نصرنا العظيم فى 6 أكتوبر 1973، والتى سبقها انتصارنا عليهم فى حرب الاستنزاف.
◙ ومن أهم ما حدث فى نهايات 2024 إدراك الحكومة بتحديات الاقتصاد والتضخم واحتراق المصريين بارتفاع الأسعار، وخروج عدد من الشركات من السوق المصرية للاستثمار فى الامارات، وإعلان السعودية تأسيس المستثمرين المصريين فى المملكة كيانا يضم آلاف الشركات، وقد ردد قدامى المستثمرين فى اجتماعهم مع رئيس مجلس الوزراء ما يعبر عن رؤاهم ومصالحهم، وكنت أرجو أن يلتقى دكتور مدبولى بأساتذة وعلماء وخبراء اقتصاد قدموا حلولا لا تعبر عن مصالح خاصة، وتمثل إنقاذا حقيقيا ومتاحا لإعادة بعث وترشيد إدارة ما تملكه مصر من ثروات طبيعية وبشرية وإمكانات بلا حدود لإنقاذ اقتصادها ودون احتياج لتنفيذ برنامج طروحات.
ومن أكثر ما آلمنى فى نهايات العام الراحل وشاركت جموع من الوطنيين والأمناء المصريين ومن أبناء بورسعيد فى رفضه تجدد الدعوة المسمومة لإعادة التمثال المهين لكفاحنا وكرامتنا الوطنية وانتصار مقاومة مدينتى الباسلة بورسعيد وهزيمة قوات العدوان الثلاثى 1956 الذى كان إسقاط تمثال الأفاق ديليسبس من فوق القاعدة التى وضع عليها فى مدخل قناتنا من أعظم رموز انتصارنا على العدوان وعلى التاريخ الأسود لاحتلال بلادنا وللاستيلاء على قناتنا وعلى نهب ثرواتنا، والتدخل والسيطرة على جميع جوانب حياتنا وبما أثبتته الوثائق التاريخية من أن هذا الديليسبس سرق فكرة حفر القناة التى تعود لأجدادنا من قدماء المصريين وكل من جاءوا مصر طامعين فى ثرواتها، وأنه قد أدار فى حفرها عملية من أسوأ وأقسى عمليات السخرة فى التاريخ ولتكون فى خدمة مصالحهم الاستعمارية، وسأظل أؤكد أنه لا ينادى بعودة التمثال المهين لقناتنا إلا جاهل بما فعله الاحتلال ببلدنا، ومن لا يحترم نضال ومقاومة شهدائنا وأبطالنا أو يكون من الطامعين فى المكاسب التى وعدوا بها من يعيدون التمثال المهين إلى مدخل القناة، وسأظل أؤكد أن كرامة الأوطان لا تباع بأموال الدنيا.
◙ ومن أعز الأمنيات فى العام الجديد استفاقة الأمة لإسقاط المخططات والمؤامرات الأمريكية والصهيونية التى حولت منطقتنا إلى رقعة شطرنج تتلاعب كما تشاء بدولها، مستغلة الضعف والتشرذم الذى أصاب أغلب دول المنطقة وداعمة لأبشع جرائم الكيان الإرهابى الصهيونى وجرائم الإبادة والإخلاء القسرى والقتل والتجويع لأبناء غزة والإذلال بحرق المستشفيات وإخراج الأطباء والمرضى منها عرايا!! لقد تفوقت جرائم الكيان الصهيونى على النازيين ومحارقهم، بالإضافة إلى ما كونه الاحتلال الأمريكى والصهيونى من جماعات إرهابية متطرفة تضع غطاء الدين الحنيف ظلما لسماحته وقيمه ومبادئه، وقد بدأ العام الجديد بانقلاب السحر على الساحر فما حدث من جرائم دهس وإطلاق نار فى ولايات أمريكية ليس إلا حصاد التكوين الأمريكى للجماعات الإرهابية والمتطرفة، إلى جانب الغضب من حجم الظلم الذى يرتكب بحق أبناء أمتنا والأمل فى عام جديد أن تتحقق، ما لم تتوقف الدعوة إليه من مفكرين وكتاب كبار بعزل الكيان الإرهابى الإسرائيلى عن طريق قطع جميع العلاقات التى أقامتها دول عربية وإسلامية معها وإعادتهم إلى سيرتهم الأولى منبوذين ومطاردين من كل الدول التى حاولوا الإقامة فيها بسبب تخريبهم اقتصاد هذه البلاد، والأفعال اللاأخلاقية واللاإنسانية التى كانوا يرتكبونها فيها.
◙ أما أعظم دروس العام الذى انقضى فجاء من سوريا وكيف أن أول وأهم مصادر استقواء الأمم هو ما يتوافر لشعوبها من احترام وعدالة وتطبيق للقانون وفتح آفاق الحريات، والإيمان بأن الاختلاف فى الآراء على أرضية وطنية يشارك فى دعم وتصحيح المسارات والسياسات والحفاظ على ما تمتلكه الأوطان من ثروات وحسن إدارتها واستثمارها، وبما يخفف أعباء وتكاليف الحياة على المواطنين وبما يجعلهم قادرين على التصدى بقوة وبإيمان لكل من لا يريدون لها خيرا ونجاة وعبورا آمنا من الأزمات والمخططات الشيطانية الآثمة التى تعصف بالإنسانية وتحمى القتلة والسفاحين والمخربين والإرهابيين، وتحاول إسقاط الأمم من قلبها وصناعة الفوضى الخلاقة وتقسيمها وإعادة رسم حدودها بدماء أبنائها.
لمزيد من مقالات سكينة فؤاد رابط دائم: