رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

دراما سورية

لأسابيع مقبلة ستبقى الأنظار مركزة على سوريا، لم لا والحدث السورى هو الأهم والأكثر إثارة هذه الأيام. سقوط بشار الأسد هو العنوان العريض للحدث السورى، غير أن هذا ليس أكثر من عنوان خاطئ ومضلل يخفى وراءه الحدث الحقيقى الأكثر أهمية، وإن كان أقل إثارة وجاذبية.

إخراج إيران من سوريا، وليس سقوط نظام الأسد، هو التطور الاستراتيجى الأكثر أهمية بين أحداث الأسبوعين الأخيرين، وهو الهدف الذى سعت أطراف لتحقيقه عبر التخلص من بشار الأسد. لم يكن لنظام بشار الأسد قيمة استراتيجية مهمة،وبشكل خاص فإنه لم يكن له أى قيمة استراتيجية مستقلة عن حلفائه وداعميه، منذ أن تحول إلى عالة استراتيجية، يعيش على الدعم العسكرى والأمنى المباشر الذى يقدمه له حلفاء أجانب، يوفرون الحماية لنظامه. أيضا،لم يكن نظام الأسد يمثل تهديدا ذا شأن لإسرائيل. لاحظ إسراع إسرائيل بتدمير أسلحة الجيش السورى بمجرد سقوط النظام، رغم أنها تسامحت مع وجود هذه الأسلحة فى يد الجيش السورى فى ظل حكم النظام الأسدي.

استمد نظام الأسد قيمته الاستراتيجية من إتاحة بلده قاعدة مهمة للنفوذ السياسى والوجود العسكرى الإيرانى، ومن قيامه بإتاحة سوريا ممرا للمقاتلين والسلاح المتجه عبر الحدود إلى حزب الله فى لبنان. أما الجغرافيا السورية ذات الموقع الاستراتيجى الرائع فقد تم اقتسامها بين جيوش عدة دول أجنبية، وميليشيات شيعية وسنية وكردية وتركمانية، محلية ومستجلبة من أقاليم تمتد من حدود الصين وحتى المحيط الأطلنطى.

فازت إيران، ومعها ذراعها حزب الله، بهذه المكانة عندما استعان بها الرئيس بشار لمساندته ضد ميليشيات الجهاديين الذين تجمعوا للانقضاض على نظامه ضمن وقائع ثورات الربيع الدامي. كان هذا الوضع مقبولا من جانب إسرائيل لأنه لم يمثل تهديدا لأمنها. استخدمت إيران وجودها فى سوريا لدعم حزب الله بالسلاح. تسامحت إسرائيل مع هذا أيضا طالما كانت الأمور تجرى ضمن قواعد الاشتباك المتفاهم حولها. لقد تغير كل شىء بعد هجمات الطوفان فى السابع من أكتوبر العام الماضى، وهى الهجمات التى تجاوزت جميع قواعد الاشتباك فى غزة، ومن هناك انتقلت عدوى انتهاك قواعد الاشتباك إلى لبنان.

قبل السابع من أكتوبر تبنت إسرائيل سياسة أمنية تقوم على التعايش مع الميليشيات الموجودة فى الجوار لأن نفعها لإسرائيل أكبر من ضررها. تغير هذا بعد السابع من أكتوبر، وتغيرت معه استراتيجية إسرائيل الأمنية، فأصبحت ترفض وجود الميليشيات فى الجوار، وأصبحت رأس حركة حماس فى غزة، ورأس حزب الله فى لبنان، مطلوبة لإسرائيل، وهو ما نجحت إسرائيل فى تحقيقه بالفعل.

التخلص من الوجود الإيرانى فى سوريا كان هو الخطوة التالية بالنسبة لإسرائيل، وكان إسقاط نظام الأسد، وتمكين الفصائل الجهادية من اجتياح الجغرافيا السورية، هو السبيل لإنهاء وجود إيران فى سوريا. فازت إسرائيل مرتين، مرة عندما أخرجت إيران من سوريا، ومرة عندما دمرت أسلحة الجيش السوري. بالمقابل، فاز المجاهدون فى ثوبهم الجديد بحكم سوريا بغير حرب. لاحظ امتناع قادة وممثلى تلك الفصائل عن إصدار أى تعليق يخص تدمير أسلحة الجيش السورى، فى انضباط والتزام غير معتاد من جانب مجاهدين يحبون أن يظهروا بصورة المجاهد الغاضب، الذى يقتل أولا ثم يفكر.

خرجت إيران من سوريا، فدخلت تركيا. السياسة لا تعرف الفراغ، وما أن تم إعلان شغور الساحة السورية إلا وكان لابد من تقدم أحدهم لملئها.استضافت تركيا ملايين اللاجئين السوريين.طارد النظام الميليشيات فى أنحاء البلاد بمساعدة حلفائه الإيرانيين والروس، فأعيد تجميعهم فى إدلب السورية المتاخمة لتركيا، سيمر وقت طويل قبل أن يظهر فى سوريا مركز قوة وطنى، قادر على ملء الفراغ، وحتى ذلك الحين سيبقى البلد وطنا مفتوح الأبواب فى عدة اتجاهات.

ما نشهده الآن هو بداية الدراما السورية وليس نهايتها المفتوحة على جميع الاحتمالات. أمامنا وقت طويل لنعرف بالضبط ما دار من اتصالات ومفاوضات بين الأطراف المختلفة لترتيب الحدث الكبير بالطريقة التى رأيناه بها، والتى انطوت على كثير من الإخراج وقليل من القتال.

أيا كان ما حدث، فربما كان هناك بعض الإيجابيات التى يمكن البناء عليها. لقد فاخر القادة الإيرانيون لعدة سنوات بسيطرة بلدهم على أربع عواصم عربية.

يبدو أن الإيرانيين سارعوا بالاحتفال بهذا الأمر قبل الأوان، فقد خسروا سوريا تماما، بعد أن خسروا جانبا كبيرا من نفوذهم فى لبنان.

كانت السيطرة الإيرانية فى عواصم عربية تمثل طعنا واختراقا فى الجسد العربى، والمطلوب الآن هو الاستفادة العربية من هذه الفرصة لإعادة دمج العواصم العائدة فى الجسد العربى، عبر الاتصالات والحوار ومد يد العون من أجل البناء. الوضع فى لبنان أكثر سهولة منه فى سوريا، فالطبقة السياسية اللبنانية التى عرفناها منذ عقود مازالت فى مواقعها. الصعوبة تكمن فى الوضع السورى، بما فيه من ألغاز، وطبقة سياسية جديدة، آتية من خلفيات شديدة التطرف. لا يجب المغامرة بمد يد العون لجماعات متطرفة تعود وتكشر عن أنيابها عندما تتمكن.

فى نفس الوقت فإنه لا يجب تفويت فرصة استعادة بلدين عربيين، وتوظيف ذلك لإعادة تحصين العالم العربى ضد الاختراقات الخارجية، وهى مهمة شديدة الصعوبة، لكن المهم هو أن تكون لدينا نقطة نبدأ منها المشوار الطويل.


لمزيد من مقالات د. جمال عبدالجواد

رابط دائم: