رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

إسرائيل والولايات المتحدة.. رفاق ضد العالم

هناك سؤال خطير يدور فى أذهان الحكماء ويجسد جوهر العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ماذا يحدث بين الرفاق عندما يرتكب أحدهم خطأ فاحشا؟ هل ينتهى التعاون المتبادل أو على الأقل يطلب من المسيء التراجع عن الإجراءات المتخذة؟ وهل غض البصر عن تصرفات الآخر يعتبر تواطؤا؟

إن ما نراه فى العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل هو اقتران يتحدى العالم. لقد ثبت طوال الأشهر الخمسة عشر الماضية أن إسرائيل، وفقا للولايات المتحدة، معصومة من الخطأ. ومهما تكن بشاعة التصرفات الإسرائيلية، فإن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل. لا شىء مما تفعله إسرائيل يستحق اللوم أو العقاب، وتظل الولايات المتحدة إلى الأبد داعمًا ثابتًا لإسرائيل.

ورغم أن الولايات المتحدة تتهاون عن أعمال الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل، فقد أدرك العالم أخيرا بشاعة ما يحدث. لقد أعربت الدول فى جميع أنحاء العالم عن سخطها ضد إسرائيل، ودعونا لا ننسى الملايين من المواطنين العاديين الذين انضموا إلى الاحتجاجات المؤيدة لوقف إطلاق النار حيث دعت المنظمات الدولية والمنظمات الطلابية وآلاف البشر إلى وقف إطلاق النار.

وقطع العديد من الدول علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، بما فى ذلك بليز وبوليفيا وكولومبيا وهندوراس ونيكاراجوا. واستدعى آخرون سفراءهم مثل الأردن والبحرين وتركيا وجنوب إفريقيا. واعترفت أيرلندا والنرويج وإسبانيا وبلجيكا بالدولة الفلسطينية.

وذهب آخرون أبعد من ذلك. رفعت جنوب إفريقيا قضية أمام محكمة العدل الدولية، وهى أعلى محكمة فى الأمم المتحدة، ومن خلال الأدلة التى قدمتها جنوب إفريقيا، قيَّمت أعمال إسرائيل فى غزة بمثابة إبادة جماعية.

أدانت ماليزيا بشكل لا لبس فيه عدوان إسرائيل الوحشى المستمر على غزة ولبنان. وسعت إلى طرد إسرائيل من الأمم المتحدة لرفضها تزويد غزة بالمساعدات الإنسانية وتحظر الأونروا، المنظمة التى تدعم جهود الإغاثة للفلسطينيين.

وتواصل دول عديدة الإعراب عن قلقها والدعوة إلى وقف إطلاق النار. منذ الهجوم على غزة، توترت العلاقات بين أيرلندا وإسرائيل، وأصبحت أيرلندا العضو الأكثر مناهضة لإسرائيل ومؤيدة لفلسطين فى الاتحاد الأوروبى. وقال رئيس الوزراء الأيرلندى سيمون هاريس: «لا يمكن أن يكون هناك سلام فى الشرق الأوسط إذا لم يكن هناك اعتراف بفلسطين».

وكانت إسبانيا صريحة للغاية فى دفاعها عن الفلسطينيين، وألغت صفقة ذخيرة بملايين الدولارات مع إسرائيل. بينما دعمت الصين الأونروا ودعت أيضًا إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة والاعتراف بها.

لكن اليوم الذى أصدرت فيه المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نيتانياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب، كان اليوم الذى قال فيه الرئيس المنتخب ترامب إنه سيرفع جميع القيود العسكرية المفروضة على إسرائيل فى أول يوم له فى منصبه. وهدد السيناتور الأمريكى ليندسى جراهام حلفاء الولايات المتحدة إن هم ساعدوا على اعتقال نيتانياهو. وأدانت الولايات المتحدة مذكرة الاعتقال، وبدأت حشدا دوليا لمنع تنفيذ القرار. يرى العالم الأمور بطريقة، وإسرائيل والولايات المتحدة تراها بشكل آخر.

ورغم وجهة نظر العالم للحرب، تظل الولايات المتحدة ثابتة فى دعمها لإسرائيل سياسيا وماديا وعسكريا. لدى الولايات المتحدة تاريخ طويل فى استخدام حق النقض (الفيتو) فى مجلس الأمن لدعم إسرائيل. فى كل مشروع قرار ضد إسرائيل، صوتت الولايات المتحدة ضده، واستخدمت حق النقض (الفيتو) فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 42 مرة ضد القرارات التى تدين إسرائيل.

كما تقدم الولايات المتحدة مساعدات مالية باهظة لإسرائيل. حزم مساعدات بمليارات الدولارات تسلم لإسرائيل بسرعة وبشكل متكرر. وهددت الولايات المتحدة إسرائيل بوقف المساعدات العسكرية لها إذا استمرت فى حظر المساعدات الإنسانية لغزة، لكنها بعد شهر المهلة الذى أعطته الولايات المتحدة لإسرائيل للامتثال، تراجعت الولايات المتحدة عن تهديدها رغم فشل إسرائيل فى تحقيق الرغبة الأمريكية المتمثلة فى السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة.

يعنى كل هذا أن الولايات المتحدة ستضع دائمًا مصالح إسرائيل أولا، وأن لا شىء تفعله إسرائيل يمكن أن يغير تفانى الولايات المتحدة والتزامها تجاه إسرائيل.

ومع ذلك، دعونا نسمى الأشياء بأسمائها الحقيقية. هذا الدعم الصارخ لإسرائيل يؤثر على صورة الولايات المتحدة ويضر بمكانتها العالمية. ويقول معهد كاتو الأمريكى: «إسرائيل مسئولية استراتيجية للولايات المتحدة. إن العلاقة الخاصة لا تفيد واشنطن وتعرض المصالح الأمريكية فى جميع أنحاء العالم للخطر«. لسوء الحظ، تتمسك الولايات المتحدة بالمفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان والقانون الدولى،لكنها لا تطبقها على إسرائيل.

لن تتخلى الولايات المتحدة يوما عن موقفها مع إسرائيل. إسرائيل والولايات المتحدة لا تهتمان بما يظنه العالم، ويعملون بأسلوب كما لو كانت إسرائيل هى الأعظم.


لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى

رابط دائم: