واجهت القضية الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر عام 2023 تحديات صعبة، وموقفا حرجا لا تحسد عليه، ودخلت فى منعطف يكاد يتساوى مع النكبة، لم تتحدد معالمه، منذ اندلاع «طوفان الأقصى»، وهى عملية يوم السبت التى رد عليها جيش الاحتلال الإسرائيلى بشن حرب إبادة على قطاع غزة، تجاوزت العام، مرتكبا مذابح بشرية، لن يغفلها التاريخ، بعد أن أغمض العالم عينيه، وكأنه لا يسمع ولا يرى، ولا يتكلم.
انتفضت مصر منذ اللحظة الأولى، ليس فقط لحماية الأمن القومى المصري، باعتبار التأثير المباشر لما يحدث فى غزة على مصر، ولكن أيضا لإحباط مخططات العدوان، لتصفية القضية، ومنع إقامة دولة فلسطينية، وجددت تمسكها بمبدأ حل الدولتين، حتى يبقى الفلسطينيون فى أراضيهم دون تهجير، وتظل القضية فى المقدمة وعلى رأس الأولويات المصرية والإقليمية والعالمية.
وانتهجت الدولة المصرية سياسات جديدة تجاه القضية الفلسطينية، بقدر التطورات الخطيرة، ومحاولات إبادة الشعب المحاصر والمطارد بحرب لا تبقى ولا تذر، وتهجير لا يرحم، وجاءت تحركات واتصالات الرئيس عبد الفتاح السيسى لتعلن بصراحة ودون مواربة، ضرورة التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة، تستند إلى الشرعية الدولية، التى تقضى بقيام دولة فلسطينية مستقلة على خطوط 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
إن مصر دوما تنادى بالحفاظ على حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة، وطالما نبهت إلى أن ذلك يرتبط بتحقيق الاستقرار للإقليم بأكمله، بل حذرت من أن التمادى فى هذه الاعتداءات قد يجر الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية شاملة تعود بها سنوات إلى الوراء، وزعزعة الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمى والدولي.
وتلعب مصر دورا تاريخيا فى الدفاع عن القضية الفلسطينية، وترى أن ذلك لا يتحقق إلا بإحياء عملية السلام، والوصول إلى حلول نهائية، وتبذل جهودا جبارة على كل المستويات، منذ عقود وحتى الآن، وجعلته أحد الثوابت المصرية، التى تتصدى على الدوام للأطماع الصهيونية، ورفض مشروعات التوطين، بل تعمل على جبهة أخرى، بمحاولات مضنية لإنهاء الانقسام الفلسطيني– الفلسطيني، والمصالحة بين الفصائل، وقبل كل هذا الوقوف مع الشعب الفلسطينى إنسانيا، وتخفيف آثار العدوان والحصار الاقتصادى الذى وصل إلى حد المجاعة.
ولا يختلف السياسيون والمراقبون على أن الموقف المصري، يقوم على دراسة دقيقة ومتأنية لكل الأوضاع فى الإقليم المضطرب، ويهدف فى المقام الأول إلى الوصول إلى السلام الدائم، والتعايش الآمن بين دول المنطقة، والاعتماد على الحوار والمفاوضات، بما يعود بالخير على الشعوب، بدلا من العنف والدمار والتخريب والدماء التى تسيل كل يوم، ولا يمل ولا يفقد الأمل فى إرساء السلام، ومن هنا يأتى الدعم اللا محدود لحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، وبقدر التصعيد فى الفترة الأخيرة، بقدر طلاقة المساعى المصرية، فكانت الاجتماعات والمؤتمرات الدولية للضغط على الجانب الإسرائيلى لوقف إطلاق النار والحيلولة دون توسع دائرة الصراع.
وحرصت مصر على استمرار فتح معبر رفح لدخول المساعدات الإنسانية والأدوية إلى الأشقاء، وعلاج المرضى والمصابين، وتمسكت بإدارته من قبل السلطة الفلسطينية، إضافة لعمليات الإسقاط الجوى بالتعاون مع دول أخرى لعشرات الأطنان من المساعدات بالمناطق التى يصعب الوصول إليها داخل غزة؛ لتخفيف آلام الشعب الذى تم عزله بفعل فاعل، وأصبح يواجه كارثة إنسانية.
وأمام شدة تعقيد الموقف، والعدوان على قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، طرح الرئيس السيسى الموقف واضحا فى القمة العربية- الإسلامية غير العادية التى عقدت مؤخرا فى العاصمة السعودية الرياض، عندما قال: «إن المواطنين فى دولنا العربية والإسلامية، بل وجميع أصحاب الضمائر الحرة عبر العالم، يسألون؛ ولهم كل الحق، عن جدوى أى حديث عن العدالة والإنصاف، فى ظل ما يشاهدونه، من إراقة يومية لدماء الأطفال والنساء والشيوخ .. ونقولها بمنتهى الصراحة: إن مستقبل المنطقة والعالم، أصبح على مفترق طرق، وما يحدث من عدوان غير مقبول على الأراضى الفلسطينية واللبنانية يضع النظام الدولى بأسره على المحك».
وطرح الرئيس الثوابت المصرية على أسماع الجميع عندما قال: «باسم مصر، أعلنها صراحة: إننا سنقف ضد جميع المخططات التى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، سواء عبر تهجير السكان المحليين المدنيين، أو نقلهم قسريا، أو تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة، وهو أمر لن نقبل به تحت أى ظرف من الظروف، ونكرر: إن الشرط الضرورى لتحقيق الأمن والاستقرار والانتقال من نظام إقليمى جوهره الصراع والعداء.. إلى آخر يقوم على السلام والتنمية هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967، وعاصمتها «القدس الشرقية».
لم تكن مصر فى يوم من الأيام من دعاة الحرب، بل أعلنت مرارا وتكرارا تمسكها بالسلام كخيار إستراتيجى، من أجل بناء مستقبل تستحقه الأجيال القادمة، عنوانه الحرية والكرامة والاستقرار والرخاء، كما لم تتأخر يوما عن القضية الفلسطينية، ولا تزال تعتبرها شغلها الشاغل، وقضيتها الأولى، وتعى المؤسسات المصرية جيدا خطورة ما يحاك فى الظلام، وتتصدى له باحترافية شديدة على كل المستويات، وليس الدبلوماسية فقط.
ولعلى لا أبالغ إذا قلت إن مصر، فى دورها التاريخى والمحورى فى القضية الفلسطينية، لم تغفل للحظة واحدة، ولم تتأخر فى التصدى لمحاولات تفريغ القضية، وأصبحت – بحق- الحارس الأول والأمين على حقوق الفلسطينيين، ولم تقف موقف المتفرج على ما يحدث، بل سارعت إلى التوصل إلى الحلول التى تقلل من التوتر والاضطراب، وتحول دون إبادة الشعب وتهجيره، والاستيلاء على الأرض، ومن هنا كان التحرك الواعى مع أول رصاصة خرجت فى الحرب التى طالت أكثر من اللازم، ولم تحقق الأهداف التى اندلعت بسببها بالنسبة لجيش الاحتلال، فيما وقف العالم عاجزا عن إخماد النيران، فى ظل غياب الضغط الأمريكي، ولكن مصر وحدها كانت، ولاتزال تعى خطورة ما حدث قبل أكثر من عام، وعملت على ألا تضيع القضية الفلسطينية فى غياهب التاريخ، بل قدمتها الصفوف، حتى تصدرت اهتمامات العالم، وأيقن الجميع، أن الدولة المصرية تقرأ الأحداث جيدا، ورؤيتها على صواب، وهم الآن ينادون بحل الدولتين من أجل سلام وأمان المنطقة بكاملها، بل العالم كله، الذى آن الأوان له لكى يصل إلى نقطة الحسم.. أظن أنه لا مفر من ذلك، وهو آت فى أقرب وقت.
***
لم تكن مصر فى يوم من الأيام من دعاة الحرب، بل أعلنت مرارا وتكرارا تمسكها بالسلام كخيار إستراتيجى، من أجل بناء مستقبل، تستحقه الأجيال القادمة، عنوانه الحرية والكرامة والاستقرار والرخاء، كما لم تتأخر يوما عن القضية الفلسطينية، ولاتزال تعتبرها شغلها الشاغل
[email protected]لمزيد من مقالات مـاجــــد منير يكتب رابط دائم: