اعلنت الحكومة المصرية مؤخرا عن إعادة تشكيل لجنة إدارة ملف الدين العام وتنظيم الاقتراض الخارجى والحد منه، برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية كل من محافظ البنك المركزى ووزراء المالية والاستثمار والتخطيط والتعاون الدولى. وتختص بإدارة ملف الدين الخارجى بشكل متكامل يشمل جميع ادواته مع وضع حد اقصى للاقتراض الخارجى سنويا، يتحدد فى ضوء معايير الاستدامة المالية ولايجوز الخروج عليه الا فى حالات الضرورة القصوى وبموافقة مجلس الوزراء. كما تختص اللجنة بمناقشة سد الفجوة التمويلية بالعملات الأجنبية من المصادر الخارجية وتحديد حجم الاقتراض الخارجى المطلوب وهى خطوات مهمة وضرورية اذ ان الدين العام الخارجى ورغم تراجعه بأكثر من 12 مليار دولار خلال الفترة من يونيو 2023 إلى يونيو 2024 الا انه مازال يحتاج إلى وضع استراتيجية متكاملة لإدارته إدارة اقتصادية سليمة. تضمن عدم تعرض الاقتصاد القومى لأية ازمات مالية او اقتصادية وبالتالى يجب ربط إدارة الدين العام بإطار اقتصادى كلى تسعى الحكومة من خلاله لضمان القدرة على الاستمرار فى تحمل مستوى معين للدين ومعدل نموه. من هذا المنطلق تأتى أهمية دراسة ووضع الحلول الدائمة لهذه المسألة، ليس فقط لإصلاح الخلل الناجم عنها حاليا، ولكن أيضا لعدم تحميل الأجيال القادمة بأعباء الجيل الحالي. بمعنى آخر إذا كان الدين الخارجى يؤدى إلى تحويل الموارد الاقتصادية إلى الخارج، فإن الدين المحلى يتمثل فى إعادة توزيع الدخل بين المقيمين، فالاستخدام المتزايد لجانب من القروض العامة، فى الإنفاق على الاستهلاك العام، يعنى نقل العبء المالى لهذه المصروفات إلى الأجيال المقبلة، وتخفيف كامل العبء عن الجيل الحالى. فرغم أن الحكومات تستطيع الاقتراض الى ما لا نهاية، إلا أنه ينبغى عليها، على المدى البعيد التمتع بالقدرةالمالية على الوفاء، على الأقل بجزء من تكاليف الفوائد المستحقة عليها، دون اللجوء الى الاقتراض من جديد، وإلا فإن مستوى الدين سوف يأخذ فى الارتفاع بصورة مستمرة. ولا يستثنى من ذلك سوى قيام الحكومة باستخدام الموارد بكفاءة عالية جدا، بحيث ينمو الاقتصاد بشكل مستمر، ويزيد عن سعر الفائدة الحقيقى المستحق على الدين الحكومي. مع الأخذ بالحسبان أن استمرار عجز الموازنة، لا يؤدى بالضرورة الى ارتفاع نسبة الدين العام، حتى لو كان التمويل بالاقتراض، إذا كان معدل نمو الناتج المحلى أعلى من سعر الفائدة على الدين العام. وبالتالى فإن افتراض سعر فائدة أقل، من معدل نمو الناتج المحلى، هو العامل الحاسم فى وجود سقف محدد لنسبة الدين العام. فإذا كان الناتج فى حالة نمو مستمرة، وإذا كانت نسبة مصروفات خدمة الدين ثابتة، فإن ذلك لا يثير مخاوف كبيرة. ويكون الدين العام، وما يترتب عليه من أعباء مالية فى الحدود الآمنة. وهكذا يؤثر معدل النمو الحقيقى، على أوضاع الدين الحكومى، فنمو الاقتصاد بخطوات أبطأ من سعر الفائدة الحقيقى يترتب عليه نمو الدين بخطوات أسرع من قدرة الحكومة على سداده. وبالتالى فإن استهداف سقف محدد لنسبة الدين يتطلب سياسة اقتصادية تحقق نموا اقتصاديا أعلى من سعر الفائدة، وفى الوقت نفسه تحقق فائضا اوليا(أى العجز الكلى مطروحا منه مدفوعات الفائدة) فى الموازنة العامة للدولة. وبالتالى يجب ان تضع اللجنة نصب أعينها عدة أمور منها تدبير التمويل من القطاع غير الحكومى لتغطية الاحتياجات وتخفيض تكلفة الاقتراض الى أدنى حد، أخذا بالحسبان التنسيق مع السياسة النقدية. من هذا المنطلق فإن علاج الاوضاع الحالية يتطلب وضع حزمة من السياسات الاقتصادية وذلك عن طريق ادارة التدفقات النقدية ادارة جيدة، تضمن الحد من اعباء التأخير وإعادة هيكلة الدين العام الحكومي. وتخفيض أعباء خدمة الديون عن طريق الاستفادة من المصادر المحلية والخارجية الأقل تكلفة. وربط التمويل الخارجى بحزمة متكاملة من القروض والمنح وفقا لشروط كل قرض وطبيعة المشروع. هذا فضلا عن ضرورة علاج المشكلة الأساسية الخاصة بعجز الموازنة وذلك بالتحرك فى العديد من المجالات لإحداث النقلة المطلوبة فى المالية العامة، سواء تمثل ذلك فى العمل على تنمية الموارد المحلية عن طريق توسيع الطاقة الضريبية لتشمل كافة قطاعات المجتمع. من هذا المنطلق نرى ان اللجنة المشار اليها انفا يجب ان يضاف الى مهامها العمل على تحديد مستهدفات كمية لحجم وهيكل الدين الخارجى على المدى المتوسط وبما يتفق مع أولويات الدولة وتحديد مصادر التمويل وأسعار الفائدة المتوقعة وعملات القروض المطلوبة، واجال السداد المفضلة من اجل تقليل مخاطر أسعار الفائدة وسعر الصرف جنبا الى جنب مع تحديد أغراض استخدام الدين والمفاضلة بين طلبات القروض المقدمة من جهات الدولة المختلفة مع ضرورة اجراء حصر شامل للديون الموقعة ولم يتم تنفيذها والاستفادة منها، والعمل على استخدام جزء من حصيلة الاقتراض الخارجى طويل الاجل لسداد جزء من الدين الأعلى تكلفة وذات الاجل القصيرهذا فضلا عن ضرورة اتخاذ حزمة من الاجراءات المتكاملة لتعزيز قدرة السوق الثانوى لسندات الخزانة ومنها توسيع قاعدة المستثمرين، واستحداث آليات مثل بيع وإعادة شراء السندات، وتوحيد تسوية الأذون والسندات لتفعيل آليات تسليف الأوراق المالية الحكومية، والمحافظة على الإصدارات المنتظمة وايجاد نقاط مرجعية فى كلٍ من سوق الإصدار والتداول وكذلك توحيد نظام التسوية للأوراق المالية الحكومية لتعزيز سيولة السندات. حيث تساهم سيولة السوق الثانوى فى تخفيض تكلفة تلك الأوراق من خلال خفض عائد الإصدار. هذا بالإضافة إلى إعادة النظر فى نظام طرح العطاءات ونظام التداول بالسوق الثانوي.
مما سبق يتضح لنا ان ضرورة ربط إدارة الدين العام بإطار اقتصادى كلى تسعى الحكومة من خلاله لضمان القدرة على الاستمرار فى تحمل مستوى معين للدين وتدبير التمويل من القطاع غير الحكومى لتغطية الاحتياجات وتخفيض تكلفة الاقتراض الى أدنى حد، أخذا بالحسبان التنسيق مع السياسة النقدية، مع علاج المشكلة الأساسية الخاصة بعجز الموازنة والعجز الجارى فى ميزان المدفوعات.
لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالى رابط دائم: