رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

الصيانة ثقافة غائبة

أثارت تصريحات رئيس مجلس ادارة شركة العاصمة الإدارية الجديدة، بخصوص ارتفاع قيمة مصاريف الصيانة السنوية الى ما يتراوح بين 5 و6 مليارات جنيه سنويا، العديد من التساؤلات والاستفسارات. حيث رأى البعض ان هذا المبلغ مغالى فيه كثيرا، بينما يرى الآخرون انه يتناسب مع قيمة الأصول التى تملكها الشركة والتى تقدر بنحو 285 مليارجنيه، وفقا لتقدير رئيس الشركة، أى أن نسبة الصيانة لا تتجاوز 1.8% من إجمالى الاصول. ولا شك أن تناول الموضوع فى وسائل الاعلام المختلفة بما فيها وسائل التواصل الاجتماعى، يشير الى قضية أساسية مفادها غياب مفهوم الصيانة وأهميتها بالنسبة للشركات، والاهم بالنسبة للمجتمع ككل، وقدرته على الحفاظ على الثروة القومية للبلاد. ويمكننا القول دون أدنى تجاوز للحقيقة ان غياب هذا المفهوم، هو السبب الأساسى لمعظم ما نعانيه من مشكلات تتعلق بإدارة دولاب العمل اليومى. وهو ما يعود بالأساس إلى القيم السائدة لدى بعض المسئولين الذين يرون أن افتتاح مبان جديدة وقص الشريط وأخذ الصورالتذكارية أمام حجر الأساس، بغض النظر عن إمكان تشغيلها من عدمه، هى غاية المراد من رب العباد، والهدف الأساسى. فالعبرة لدى هؤلاء بأعداد المشروعات، وليس بما تقدمه من خدمات فى إطار الهدف المنشأة من أجله. وهكذا نجد فى جميع محافظات البلاد، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، عشرات المشروعات التى تم بناؤها بالفعل، منذ سنوات عديدة، ومازالت مغلقة حتى الآن، نظرا لعدم تخصيص اعتمادات التشغيل من الأبواب الأخرى فى الموازنة، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة وفى كل المجالات والمحافظات، وللأسف فإن هذه النظرة لم تقتصر فقط على المسئولين الرسميين، بل تعدتها لتشمل أيضا أعضاء المجالس النيابية والمحلية بل والحزبية، وهو ما يتضح تماما عند متابعة مناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة بالبرلمان، حيث يركز هؤلاء جميعا إما على زيادة الأجور والعلاوات الخاصة، أو على زيادة الاستثمارات الموجهة للإنشاءات الجديدة بدوائرهم المختلفة دون الالتفات إلى القائم بالفعل ومدى تشغيله بطريقة اقتصادية سليمة تحقق الهدف منه. وخير دليل على ذلك ان المنفق على المبانى غير السكنية والتشييدات عام 2023/2024 قد وصل إلى 102 مليار جنيه بينما التجهيزات لم تتجاوز 11.7 مليار وهو ما يشير الى عدم التوازن وإننا ننفذ مبانى دون القدرة على التجهيز خاصة فى المستشفيات.

فاذا كان الإنفاق الاستثمارى يؤدى الى تحسين البنية الأساسية المادية والاجتماعية لتسهيل الاستثمار الجاد والمنتج، وارتفاع نسبة العائد على رأس المال، فى ظل العلاقات الموجبة بين النمو والاستثمار فى البنية التحتية التى تمارس تأثيراً كبيراً على معدل النمو الاقتصادى خاصة فى قطاعات الاتصالات والكهرباء والنقل وأيضا تأثيره الإيجابى أيضاً على معدل النمو الاقتصادى من خلال دوره فى تخفيض تكلفة الانتاج التى تواجه القطاع الخاص، ولهذا، فان رفع كفاءة الاستثمارات العامة والعمل على تخفيض التكاليف يصبح ضرورة عن طريق دقة اختيار المشروعات ومراعاة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد وحسن الإدارة والتقييم بما يضمن كفاءة الاستثمار ويجعله قابلا للاستمرار ويرفع القدرة الانتاجية.والاهم مما سبق ضرورة الاهتمام بالصيانة وهو ما يتطلب تصميم نظام رشيد للصيانة يضمن حسن إدارة الأصول وسلامتها، خاصة فى ظل التغييرات البيئية والمناخية الجارية على الساحة الدولية والمحلية.خاصة ان الأصول العامة للدولة غالبا ماتكون فى مشروعات ضخمة ومرتفعة التكلفة وطويلة الاجل.وهو ما يحقق الكفاءة الاقتصادية وتعظيم العائد من الانفاق الاستثمارى، ويعزز القيمة المضافة.

وتشير الإحصاءات الى أن إجمالى مصروفات الصيانة فى ختامى الموازنة العامة للدولة عن العام المالى 2023/2024 قد وصل إلى 15.6 مليار جنيه، بنسبة 0.5% من اجمالى المصروفات، وبنحو 10.6% من اجمالى الباب الثانى، الامر الذى لم يتغير كثيرا فى موازنة العام الحالى 2024/2025 حيث ارتفعت إلى 16% معظمها ذهب إلى صيانة الطرق والجسور والكبارى ولترميم المنشآت، والاقل ذهب لتطهير وسائل الرى ومخرات السيول. وهنا تجدر الإشارة إلى أن نسبة الانفاق على الصيانة إلى إجمالى الأصول المملوكة للأجهزة الحكومية والتى تقدر بنحو 1122.6 مليار جنيه فى عام 2022/2023 قد بلغت 1.1%، مما يؤكد عدم ملاءمة المبالغ التى تخصص سنويا للإنفاق على هذا البند للاحتياجات الأساسية فى المجتمع، واستمرار توجيه معظم الإنفاق العام الى المصروفات التى لا تسهم فى إضافة أى طاقة إنتاجية للمجتمع أو الحفاظ على الأصول القائمة.

ولا شك ان اهمال هذا البند سينجم عنه العديد من الآثار السلبية تؤثر بشدة على المجتمع وذلك من نواح عديدة، ومن ثم التأثير بالسلب على الاستثمارات القائمة وفعاليتها والارتفاع فى تكاليف الاستثمارات، هذا فضلا عن ترك بعض الأجهزة دون استخدام لغياب مصاريف الصيانة وعدم توافر مستلزمات التشغيل أو قطع الغيار اللازمة لها.. الخ. كما يؤدى عدم المتابعة الجادة والمستمرة لهذه المشروعات خلال فترة التنفيذ الى المزيد من الهدر فى الموارد وارتفاع التكلفة، ومن ثم المغالاة فى أسعارها بعد ذلك. مما يؤدى إلى تأخر التنفيذ وارتفاع التكلفة والبطء فى العملية. ومن ثم يسهم الوضع السابق فى تدنى كفاءة الاستثمارات العامة من جهة وإضعاف مستوى جودتها من جهة أخرى.

ومن المشكلات المهمة فى هذا الصدد ان سياسة التقشف التى تتبعها الحكومة عن طريق الحد من الإنفاق العام، غالبا ما تتم عن طريق تقليص المنفق على بند الصيانة فى الموازنة، بالإضافة الى أبواب وبنود أخرى، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال المقارنة بين المنصرف الفعلى على هذا البند وماجاء فى مشروع الموازنة على مدار السنوات السابقة.

الامر الذى يتطلب إعادة الاهتمام مرة أخرى بثقافة الصيانة واعطائها الأولوية المناسبة والعمل على تخصيص القيم المناسبة لها فى مشاريع الموازنات القادمة وبما يتلاءم مع حجم الأصول المملوكة للمجتمع. ويمكننا فى هذا الصدد اقتراح ان تكون قيمة مصاريف الصيانة التى تخصص فى الموازنة نسبة ثابتة من الاستثمارات العامة لنفس العام. حتى نضمن استمرار الحفاظ عليها وكفاءتها.


لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالى

رابط دائم: