«معقولة»؟! .. يعنى «مش احنا السبب»؟!
ما معنى أن تقول أكبر مسئولة اقتصادية على وجه الأرض من قلب مصر، وموجهة خطابها للمصريين، «إن ما تشهده مصر من ظروف اقتصادية صعبة سببه متغيرات إقليمية، وليس نتيجة أخطاء من جانبكم»؟
هل ضرب أحد سيدة صندوق النقد «الحديدية» كريستالينا جورجييفا على يدها حتى تقول هذا الكلام؟
هل تنافق؟ تجامل؟ «تطبل»؟
هل تهذي؟!
أم صاحبة مصلحة؟!
أليست مصلحتها هى أن تشكك فى قدراتنا - مثلا - وتتهمنا بارتكاب أخطاء حتى نواصل الإقراض؟
هذا ما قالته بالفعل.
الظروف الاقتصادية الصعبة التى نواجهها ليست بسبب أخطاء، بل ظروف قهرية «خارجية».
ألم يأت الوقت لكى نراجع أنفسنا قليلا؟
ما هذا الجو الإحباطى الردىء الذى صنعناه بأنفسنا، لأنفسنا؟
أين «الثبات الانفعالى» الذى اشتهر به المصريون؟
هل صرنا سعداء و«مرتاحين» لأن نكون أهدافا سهلة هكذا، بل ومروجين، للدعاية السوداء التى يبثها أعداء مصر من الخارج والداخل، من مطاريد ممر «رابعة» الآمن، الذين تفرغوا للجهاد الإلكترونى، بعد أن فشلوا فى الحكم، وفى الثورة، وفى كل شيء؟ هل صار وعينا بهذه الدرجة من التدنى لكى «نبلع» أى كذبة ضد بلدنا؟
هل بتنا نفضل «الطناش» و«التناسى» و«التغابى» مادام الكلام لا يسير مع «الموجة»، المفروضة علينا فرضا، موجة الشارع، والجمهور، و«الغلابة»؟ حرصت على الاستماع لكل كلمة، بل كل «حرف»، خرج من لسان مديرة صندوق النقد خلال زيارتها لمصر، وبالإنجليزية، بعيدا عن الترجمة العربية. قلنا الأسبوع الماضى، وفى هذا المكان نفسه، إنها «مصيبة» حقيقية أن نجد قطاعا كبيرا من المصريين لا يدرك حتى الآن أن هناك حربا فى المنطقة، وحربا أخرى شبه عالمية فى أوكرانيا، وتداعيات لم تتوقف لجائحة كورونا، ولا يدلنا فى كل هذا. ومصيبة أكبر أن يكون كل ما يطلبه منه وطنك أن تتحمل معه، وترفض!
يا سيدى نعرف جيدا أنك تقول إن الأسعار «نار»، والدنيا الآن غير الحال منذ عشر سنوات، وأنه «ولا يوم من أيامك يا مبارك»، وأن الجنيه كان بألف أو مليون دولار أيام جلالة الملك، ولكنك أنت نفسك لم يعجبك الملك ولا مبارك، ولا حتى السادات، ولا يعجبك أى شيء حتى يومنا هذا.
من حقك أن تشكو.
ولكن ليس من حقك أن تفرض علينا رؤيتك، ولا أن تتجاهل الحقائق من حولك، لمجرد أنك لا تحب من يعمل، ومن يبنى، وتفضل أن تبقى مصر «خرابة» للأبد، وتظل أنت تشكو حالك أيضا «للأبد»! ليس ذنبنا أنك تصدق أن مصر تخون، وتبيع، وتفرط، وتساعد إسرائيل، و«تبلط» الهرم بالسيراميك، وتدهن أسود قصر النيل بالورنيش، وتهدم الأضرحة، وتقطع الأشجار.
هذه مشكلتك أنت، لأنك صرت عبدا ذليلا للفيسبوك، وأقرانه. جورجييفا، المديرة رقم 12 فى تاريخ صندوق النقد، والمديرة الأولى التى تأتى من دولة ذات اقتصاد صاعد، حضرت إلى مصر خصيصا بعد أن تحدث الرئيس عن التحديات الإقليمية، وطالب بضرورة «مراجعة» الصندوق، حتى لا يتم فرض أعباء أخرى على المواطن.
الرئيس تحدث مع جورجييفا فى الاتجاه نفسه.
ومدبولى أيضا تحدث بصراحة.
جورجييفا نفسها «بصمت» بالعشرة على كل هذا، ولهذا جاءت، وجاءت معها بعثة المراجعة الرابعة للصندوق، لتتفاوض بمفهوم جديد، وقواعد جديدة، بناء على قوة موقف الدولة المصرية، التى لا تعجب «سيادتك».
نعرف مشكلاتنا.
ملتزمون بسعر صرف مرن، وندرك أن عدم الالتزام بذلك يعيدنا للمربع رقم صفر.
مستمرون فى المشروعات التنموية، وجذب الاستثمارات، وتوفير فرص العمل، وبرامج الحماية الاجتماعية، والتخارج من بعض الأنشطة، ودعم القطاع الخاص. لكننا مطالبون أيضا بمزيد من الجهد لمحاربة التضخم، الجزء الأكثر إيلاما بالنسبة للمواطن. والأهم من ذلك أن علينا معالجة أسوأ «ديفوهاتنا» الاقتصادية الموروثة من قرن مضى، وهو «الدعم». ولكن السرعة مطلوبة، فقد تأخرنا كثيرا، ودول كثيرة مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة سبقتنا، لأننا نتبنى شعار «مش دلوقتى».
مدبولى تحدث عن هذه النقطة تحديدا، وقال إن وتيرة التغيير فى العالم سريعة جدا، وعلى الحكومات أن تكون أسرع من هذه التغيرات.
وأخيرا.
لا تسلنى «متى يشعر المواطن بالتحسن»؟
فالإجابة هى أنه «لن يشعر أبدا»، وإن قدمنا له اقتصاد سويسرا!
فالوعى غائب، والطموحات فاقت الحدود، ونكران الجميل «موضة»، وكثرة الجدل أسهل وأوفر من قلة العمل.
.. سيأتى يوم تتذكر فيه مصر، من وقف بجانبها من أبنائها وقت الشدة، ومن تخلى عنها.
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: