تتوقف التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى أى دولة، أول ما تتوقف، عند مدى ما تم تحقيقه من نهضة فى قطاع التعليم، خاصة ما قبل الجامعي، والتغلب على ما يواجهه من تحديات، تتطلب وضع استراتيجيات فعالة وملائمة ومناسبة، إيمانا بأن التعليم صمام أمان أى مجتمع، والضامن الأول لاستقراره.
ولا يمكن لأى مجتمع، مهما يكن، أن يحقق التنمية الشاملة والمستدامة إلا بإصلاح النظام التعليمي، ومواكبة ما يطرأ من مستجدات تتلاحق داخليا وقاريا وإقليميا وعالميا، وما يطارد المجتمعات من تطورات علمية وتكنولوجية تسببت فى فجوة معرفية، أو رقمية مع المجتمعات المتقدمة.
ورغم نجاح بعض الخطط والبرامج فى عملية إصلاح التعليم بمصر، فإن ضخامة التحديات أثقلت الكاهل، وأصبح مطلوبا- على وجه السرعة- التدخل بمشرط جراح لتحقيق المستهدفات المرجوة، حتى لا يتراجع مؤشر التعليم أكثر من اللازم، وحتى يكون تحت أيدينا علاج للمرض، لا مسكنات للعرض، وتوصيف الأزمة توصيفا صادقا وحقيقيا من أرض الواقع؛ ليصبح الحل فى حدود الموارد المادية والبشرية المتاحة فى هذه المرحلة من إعادة البناء والتنمية، وفى ظل ما يدور فى الإقليم من صراعات ومناورات واختلافات وحروب، وما يشهده العالم من حراك عسكري، وما يعانيه من أزمة اقتصادية، أربكت المخططات، ونالت من الموارد التي- بلا شك- أثرت فى عناصر المنظومة التعليمية الأربعة، وهى الطالب والمنهج والمعلم والمبنى المدرسي.
وأدرك الرئيس عبدالفتاح السيسى آلام وأوجاع العملية التعليمية، فقرر فتح الملف، ومنحه اهتماما خاصا، وأصدر التوجيهات بالمواجهة الفعالة للأزمات، التى تتمثل فى وجود عجز فى أعداد المعلمين، نتيجة الزيادة السكانية غير الطبيعية؛ مما ترتب عليه ارتفاع معدلات الأمية والتسرب من التعليم، وكذلك كثافات الفصول، مع قضايا المناهج التعليمية، والتأهيل والتدريب والتطوير المهنى للمعلمين، وانخفاض الأجور، وتفشى ظاهرة الدروس الخصوصية، وإنشاء الفصول الجديدة، وضعف جودتها، وهجر المدارس.
إن الاهتمام بتطوير التعليم ضرورة قومية من أجل إحداث تغيير نوعى وتعزيز قدرة المواطنين على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، عن طريق الوصول إلى مواطن متعلم قادر على الإبداع والابتكار، يستطيع مواكبة العصر، والتعامل مع المستحدثات، ويكون جاهزا للأداء بكفاءة فى سوق العمل، سواء فى الداخل أو الخارج، وهو ما نصت عليه رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، التى تعتبر التعليم رمانة الميزان، وحجر الزاوية فى أى مشروع تطوير وتحديث ونهضة تتبناه أى دولة، من منطلق دور التعليم فى بناء الإنسان، وتشكيل قدراته الذاتية، وخبراته العلمية والعملية، من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية، والاستثمار فى الثروة البشرية.
ما كان أحوجنا إلى إصلاح التعليم، وما أصعبها من خطوة، بحكم ما يعترضها من عقبات، وما يقف أمامها من حواجز، للوصول - فى سباق مع الزمن- إلى إصلاح المناهج التعليمية، والأخذ بالأساليب الحديثة فى التعليم والتعلم، مع تنويع مصادر التعليم، واعتماد نظام يقيس المهارات، ويشجع على البحث والتفكير، للحاق بركب المتغيرات المحلية والعالمية، واحتياجات المشروعات القومية، مع مراعاة عدم إثقال كاهل الأسر المصرية بالمزيد من الأعباء، وفى الوقت نفسه عدم الضغط على الميزانية العامة للدولة.
وتحاول الدولة جاهدة فى الفترة الأخيرة، تجاوز أزمة التمويل، بالقدر الذى تسعى فيه إلى إتاحة التعليم على أوسع نطاق، مع رفع كفاءة الخدمة التعليمية، إيمانا بأن التعليم قضية أمن قومى وخط أحمر، وركيزة أساسية للنهضة، وأحد الموارد الاستراتيجية للمجتمع الحديث، والعودة بالفائدة على الوطن والمواطن؛ لذا تم التعامل السريع مع جميع أطراف العملية التعليمية المتمثلة فى العجز فى أعداد المعلمين، والكثافات الطلابية بالفصول، وارتفاع نسب الغياب بالمدارس، وإعادة هيكلة التعليم الثانوي.
وأرى أن التعليم هو الطريق الصحيح إلى التطور الحضارى والاقتصادى والثقافى والاجتماعي، لما يلعبه من دور رئيس فى تخريج كوادر علمية تزيد القيمة المضافة، وتعزز النمو الاقتصادي، ولنا فى تجربة الشرق الآسيوى خير دليل، فلولا الاهتمام بالتعليم، ما كانت هذه الدول صاغت الحاضر والمستقبل بهذه القدرة التى يتعجب منها الجميع، فى ظل العولمة وثورة الاتصالات والثورة المعرفية والعلمية، والثورة الاجتماعية والاقتصادية؛ مما جعل الاستثمار فى التعليم استثمارا فى مستقبل البشرية كلها، وهى عملية صعبة ومعقدة ومتعددة الأبعاد، بسبب ما يقف أمامها من مضادات تحتاج إلى أساليب وحلول غير تقليدية، وقبل كل ذلك تشخيص سليم.
وأتفق مع خبراء التعليم على أن ضعف الإمكانات، يجب ألا يقف حائلا أمام تطوير التعليم، دون تراجع أو تأجيل، ولكن هذا يتطلب مع جهود الحكومة، وعى المجتمع، ومشاركة القطاع الخاص، ولعل هذا كان محور الندوة الموسعة التى نظمتها الهيئة الوطنية للصحافة، برئاسة المهندس عبدالصادق الشوربجي، بحضور وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى محمد عبد اللطيف، والتى استعرضت آخر مستجدات تطوير المنظومة التعليمية، وجهود الوزارة فى هذا الشأن، وآليات مواجهة التحديات فى ضوء خطة الدولة للارتقاء بجودة التعليم وربط مخرجاته بسوق العمل.
واتفق المشاركون فى الندوة على أن وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى اتخذت إجراءات ناجحة لمواجهة وخفض الكثافة الطلابية فى الفصول، وسد العجز فى المعلمين، وقبل كل هذا جولات الوزير الميدانية الموسعة والمتوالية؛ لمتابعة جاهزية المدارس والفصول الدراسية، مما حقق انضباطا شديدا فى العملية التعليمية فى العام الدراسى الحالي، بالإضافة إلى ما تم تنفيذه فى نظام التقييمات الأسبوعية والامتحانات وتطوير المناهج، والمراكز التعليمية، والمدارس الدولية والخاصة والتكنولوجية، وموازنة التعليم، وتأهيل المعلمين، وملف التعليم الفني.
إن التعامل مع أكبر نظام للتعليم قبل الجامعى فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عملية ليست سهلة ولا هينة، وتحتاج إلى جهود جبارة يتضافر فيها الجميع، من أجل التعامل مع كل الأزمات، ومساندة الوزارة فى التصدى لها، لإعداد جيل قادر على التنافسية مع الآخرين.
لقد أثبت وزير التعليم، بالحراك الذى أحدثه، وشهد به الجميع مع بداية الموسم الدراسي، أن الآمال ممكنة، ويمكن أن نحقق ما نصبو إليه، لو خلصت النوايا، وتشابكت الأيدي، بدليل الانضباط الذى تشهده العملية التعليمية، والتطورات الملموسة فى حلحلة الأزمات التى تعانيها منذ سنوات طويلة.. فكل التحية للحكومة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، الذى تحرك باحترافية للتعامل مع الموقف الصعب، ولوزير التربية والتعليم الذى قدم درسا فى التعامل مع أهم قضايا الوطن.
***
أرى أن التعليم هو الطريق الصحيح إلى التطور الحضارى والاقتصادى والثقافى والاجتماعي، لما يلعبه من دور رئيس فى تخريج كوادر علمية تزيد القيمة المضافة، وتعزز النمو الاقتصادى
[email protected]لمزيد من مقالات مـاجــــد منير يكتب رابط دائم: