فى عام 88 من القرن الماضي، قررت الدولة ممثلة فى وزير التربية والتعليم د.أحمد فتحى سرور إلغاء الفصل الدراسى السادس من المرحلة الابتدائية، بحيث تكون سنوات تلك المرحلة 5 وليست 6 سنوات، وسيقت مبررات كثيرة وقتها، واستمر الحال كذلك حتى عادت عام 2004، فترة تولى د. حسين كامل بهاء الدين الوزارة، ونتذكر ما فعله ذلك القرار حينما تضاعف عدد طلاب الثانوية بعدها بعدة سنوات، وما أثره على تنسيق دخول الجامعات، وعدد طلابها. ومن ثم فرص العمل .. إلخ.
حينما بدأ اعتماد شهادات ثانوية عامة دولية مثل الـ«ig» كان هناك وقت يمكن لطلابها إنهاء المواد الدراسية المؤهلة فى عام واحد. بخلاف طلاب الثانوى العام المصري، الذى يشترط نظامه تسلسلا دراسيا ثلاث سنوات متصلة. حتى تم تعديل النظام، واشترط على طلاب الثانوية الانجليزية قضاء 3 سنوات دراسية، لتكافؤ الفرص، فلا يعقل ان ينهى طالب مرحلته الثانوية فى عام وآخر فى ثلاثة أعوام. ومنذ ثلاثة أعوام تقريبا سمحت الدولة بقبول خريج الثانوية الانجليزية، الحاصل عليها فى عامين، نعم عامين فقط!! ومن المحتمل أن يسمح بقبول الحاصل عليها فى عام واحد! لاسيما بعد أن افتتحت وزارة التربية والتعليم عددا من المدارس التى تعمل بنظام الثانوية الانجليزية برعايتها الكاملة، وهذا اعتراف بقيمتها العلمية و تقدير لمكانتها الدولية.
وهنا أطرح سؤالين، الأول، لو حاول طالب فى الصف الخامس الابتدائى أن يدرس مواد الصف السادس، وعندما يحقق النجاح فى كليهما، يدخل الصف الأول الإعدادي، وذلك كان مسموحا به سابقا، هل سيسمح له حاليا؟
السؤال الثاني، لو طالب بنظام الثانوى العام، حاول أن ينهى تعليم مرحلته فى عامين، هل سيسمح له؟ مثلما سٌمح لطالب الثانوية الانجليزية بذلك؟
وهنا ننتقل لمرحلة أخري، وهى السماح بأن تكون سنوات تعليم كلية الهندسة 4 لمن يستطيع من طلابها، وهذا الأمر أخذ حقه من النقاش مع نقابة المهندسين، حتى تم التوافق عليه، وهذا الحديث كان فيما سبق من الأحلام التى يصعب الحديث عنها، والمبررات كانت تؤكد ضرورة دراسة الطالب لمدة 5 سنوات دراسية حتى يكون خريجا مؤهلا علميا بشكل لائق!
هذه الأسئلة كاشفة عن مدى تأرجح المبررات التى تسمح و تمنع، دون وعى لأسبابها، وفى نفس الوقت ينقلنا لدرجة أخرى من الحوار، ما يمنع طالب علم أن يحقق حلمه ونبوغه بدراسته ما يرغب، ثم اختباره وفق النظم العلمية المنضبطه؟ الإجابة، اللوائح والقوانين المنظمة للعملية التعليمية.
وهنا، نحن دون إدارك نقتل النبوغ، حتى لو كان هناك طالب واحد يستطيع ذلك، عدم تحقيق حلمه، هو قتل لنبوغه، لأنه فى الخارج و فى أنظمة تعليمية سمحنا بوجودها على أرض مصر جامعية وقبلها، تسمح بذلك، بل إن وجدت من يستطيع انهاء مراحله الدراسية بشكل أبكر، تقدم له العون. لذلك درجة التقدم العلمى أعلى وأكبر بشكل واضح. هل تطبيق ذلك عندنا يكلفنا الكثير؟ أعتقد هناك كلفة لا أقدر الجزم بقيمتها، ولكنه بشكل مبدئى يحتاج لتغيير هيراكليكية التعليم فى مصر، وهو بكل تأكيد صعب للغاية. إذن لماذا الحديث؟ من أجل أن نشرع فى التطوير، آخذين فى الاعتبار تحقيق شغف الأبناء، ففى المراحل العمرية الأصغر، اكتشاف المواهب من شأنه صقلها ووضعها فى طريق ملائم، يجعل تلك الموهبة لافتة، ومتميزة ومن ثم يمكن الاستفادة منها ومن غيرها، لتحقيق وثبة علمية مأمولة.
فى مقالى السابق طرحت سؤالاً، هل كل الجامعات الموجودة على أرض مصر «108» لها نفس اللوائح؟ والإجابة لا. هناك جامعات، تأخذ أوائل الثانوية العامة، و تقدم الدراسة لديها مجانا، طالما استمر تفوقه، وهى جامعات لها اسم وتاريخ، وليست مصرية، أما المصرية فيتم فيها على استحياء، كأن يأخذ نسبة خصم على مصروفاته حال تحقيقه مستوى علميا مبهرا. وقد لا يصل إليه إلا عدد أقل من أصابع يد واحدة.
من شروط تحقق الأستاذ الجامعي، بداية من النجاح فى دراسة الماجستير، ثم النجاح فى دراسة الدكتوراه، والترقى لدرجة أستاذ مساعد ثم استاذ ..إلخ. عدد من الشروط منها النجاح فى الدراسات، وكذلك تقديم عدد من الأبحاث، ومنها أيضا تقييمه فى أداءات عمله و علاقته بالطلاب. وهنا أعرض لجملة قالها عدد من الشباب كان يجلس بجانبى مباشرة فى مترو الأنفاق، حينما كانوا يتحدثون عن امتحانهم الذى يأتى موعده بعد أقل من ساعة، وأحدهم يذكر بقيتهم بجملة قالها أستاذ المادة لهم، «أنا عامل امتحان صعب على زملائى من الأساتذة أن ينجحوا فيه»، ليس من عادتى التدخل فى حوار جانبي، ولكنى سألتهم و كيف تتعاملون مع هذا الوضع، قالوا فى نفس واحد، وما العمل، نحن فى غاية الإحباط، وليس أمامنا شيء، فقلت ألا من حل كأن تتجمعوا لتقديم شكوى لإدارة الكلية، قالوا لا نتوقع رد فعل مكافئا.
الحقيقة هذا نموذج محبط ويدعو للفشل، ولا أعرف هل تقييماته تسمح باستمرار تدريسه لشباب يقتل بداخلهم الأمل و الطموح.
هل هذا هو النموذج الوحيد بتلك الكيفية؟ أعتقد أن هناك نماذج أخري، من الأساتذة تحب أن تثبت تميزها عبر تقديم هالة ووضع مساحة بينها و بين طلابها، مما يخلق درجة من الخوف، غرض تلك الشخصيات تكوين توهج أراه مضرا بكل تأكيد ليس فقط للطلاب، ولكنه للأستاذ لأن صورته الذهنيه عند الدارسين سيئة.
نكمل فى المقال المقبل، وأبدؤه بقصة معبرة عن صناعة الأمل و دورها فى نهضة البشرية.
[email protected]لمزيد من مقالات عماد رحيم رابط دائم: