صدقت يا «ريس»..
ما يحدث الآن أسوأ على مصر والمنطقة العربية مما حدث في 67.
في 67 كان العدو واحدا، وواضحا، وكان لدينا شعب، و«وعي».
والآن، لدينا أكثر من عدو في الداخل والخارج، وبعضهم يبتسم في وجوهنا ليل نهار، أما الشعب فهو «غير»، والوعي «بعافية»، بل «بعافيتين».
لم يجد الغرب، ولا إسرائيل، وسيلة للقضاء على العرب، أفضل من فكرة «الميليشيات»، التي حققت نجاحا فاق ما فعلته «سايكس بيكو» عندما قسمت الوطن العربي، ورسمت حدودا مصطنعة بين كل دولة وأخرى، فقد أبقت الدول، بينما خطة الميليشيات، أسقطت دولا بكاملها، وبأيدي أبنائها.
«ملشنة» الدولة، كانت الخطوة التالية مباشرة لـ«موجة» الربيع العربي.
من اليمن وسوريا والعراق، إلى لبنان والسودان وليبيا.
من «القاعدة» إلى «داعش»، ومن «حماس» و«حزب الله» والحوثي، إلى «الإخوان».
لم تنج من الفكرة سوى مصر وتونس. عندما تقوى الميليشيات في أي دولة، انتظر سقوط هذه الدولة بعد سنوات، أو ربما أقل من ذلك.
في مصر، حاول الإخوان تشكيل ميليشيات، وفشلوا. البداية كانت في العرض المسلح بجامعة الأزهر في عصر مبارك، لو نتذكر، والتجربة الأهم كانت مع إسقاط الشرطة، وفكرة «اللجان الشعبية» في الشوارع بعد «نكبة» يناير 2011، وكانت «رابعة»، وما قبلها وما بعدها، الخطوة الثالثة، والأكثر خطورة.
وبعد ذلك، انهارت الفكرة، وتشرذمت الميليشيات، ولكن أذيالها ما زالت نشيطة على السوشيال ميديا، ميدان القتال الأهم والأخطر.
في تونس، فطن الشعب إلى المخطط سريعا، وأفشلوا ما كانت تريده «النهضة» ويتمناه «الغنوشي». ولكن، في المقابل، سقطت دول أخرى في قبضة الميليشيات.
ميليشيا يعني دولة داخل دولة.
يعني لا سيادة، ولا حكومة، ولا قرار مستقلا.
مجرد فئة بلا أدنى انتماء تتلقى التعليمات والتمويل من دولة أخرى، ولا أحد يستطيع أن يعترض أو يقاوم. وبعد ذلك يأتي السقوط.
الصيني «سوين تزي» مؤلف كتاب «فن الحرب» الشهير، يقول - ما معناه - إن أسهل طريقة للقضاء على عدوك هو تقسيمه من الداخل، على صورة فرق وجماعات، أو أحزاب وائتلافات، وبعد ذلك، «اهجم».
نفس نظرية الإدارة والقيادة.
إذا صادفتك أزمة كبيرة، فتتها إلى مشكلات جزئية صغيرة، واعمل على حل كل منها على حدة.
دبلوماسي من دولة آسيوية صديقة قال لي يوما: «هل تدري ما هو أفضل شيء نجحت فيه مصر خلال السنوات العشر الماضية في رأيي»؟
انتظرت منه الإجابة.
توقعت أن يتحدث عن أشياء كثيرة.
ولكنه قال: «بقاء مصر حية قوية آمنة مستقرة وسط هذه العواصف العاتية هو الإنجاز الأعظم».
كلامه صحيح تماما.
مصر الآن «جبل»، برئيسها وجيشها وشعبها.
أوروبا «صرخت» إبان حرب البوسنة، لأن صراعا يدور في بوابتها الجنوبية.
أمريكا عانت مشاغبات كاسترو، وفي اضطرابات هايتي، قيل إن فناءها الخلفي مهدد.
روسيا أهدرت أموالا طائلة في حرب الشيشان. معجزة حقيقية أن تبقى مصر على ما هي عليه، ومعظم من حولها، إما في حرب، وإما في صراع أهلي، ناهيك عن أخطار ما وراء الحدود، مثل السد الإثيوبي وقلاقل باب المندب.
لا أصدق أن بيننا مصريين لا يزالون يظنون أن ما نواجهه من أوضاع اقتصادية صعبة سببه «نحن» أو الحكومة.
«والله العظيم»، توجد حرب في غزة، وحرب في السودان، وحرب في ليبيا، وقناة السويس تخسر أكثر من نصف إيراداتها بسبب الحوثيين، وعائدات السياحة متضررة بعض الشيء، بطبيعة الحال، وحرب روسيا وأوكرانيا «قصمت وسط» الاقتصاد العالمي، ونحن بالذات.
بح صوتنا أيام كورونا، وإغلاق العالم، ونحن نتحدث ونكتب عن الأضرار الجسيمة التي ستلحق بالاقتصاد العالمي بعد «إنهاء الغلق»، نظرا لارتفاع أسعار المواد الخام والسلع الأساسية وسلاسل الإمداد.
قلنا هذا، وحذرنا، من أجل تهيئة الوعي العام لما سيحدث، حتى لا نلقي الاتهامات على أحد، ونجلد أنفسنا بلا ذنب.
في 67، لم تسقط أي دولة، بل نهضت مصر سريعا بعد أيام، وحاربت، واستعادت الأرض، حتى آخر نقطة.
والآن، الأخطار أكثر من أي وقت مضى.
وسيكون تخطي هذه الأخطار الجسيمة .. «عبورا» جديدا.
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: