لاشىء يساعد على مكافحة التطرف من جذوره مثل الثقافة، لأن الثقافة هى السبيل الأهم لتنمية الوعي، وكما هو معلوم، فإن ثقافة المجتمع تقوم بتأسيسها وسائل عدة، أهمها بالتأكيد القراءة، ولاشك فى أننا لاحظنا، فى الفترة الأخيرة تدنيا وانخفاضا فى اهتمام الجمهور العريض بالقراءة، وأصبحت تجارة الكتب تجارة بائرة غير مربحة، فماذا نفعل لإعادة المواطنين إلى القراءة، ومن ثم تثقيفهم لزيادة الوعي، وهو ما يقود فى النهاية إلى قدرتهم على مقاومة الأفكار الهدامة التى يروج لها الحاقدون الكارهون لهذا الوطن، ويسعون لهدمه؟
الحقيقة أن الدولة المصرية بدأت فى السنوات القليلة الماضية فى اتخاذ خطوات جادة لزيادة الاهتمام بالثقافة، على رأسها العودة إلى تكثيف دراسة اللغة العربية بالمدارس، بما فى ذلك مدارس اللغات الخاصة، إذ إنه من البديهى أنه لاقراءة ولاثقافة بدون اللغة العربية، وها نحن نشاهد كيف أن أجيالنا الجديدة تدنت قدراتهم على التعامل مع هذه اللغة الجميلة، التى هى لغة الانتماء والحفاظ على الشخصية الوطنية، وقبل أيام استمعنا إلى الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، وهو يشدد على أهمية دور المؤسسات الثقافية بالوطن العربى فى الاهتمام باللغة العربية، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، ودعا إلى تبسيط طريقة تدريس هذه اللغة للأطفال الصغار بالمدارس، ليكبروا على حبها واحترامها، وعلاوة على ذلك، نبه الإمام الأكبر إلى خطورة وقوع هذا الجيل فريسة للتيارات المتطرفة، وللفصائل ذات الأجندات الغريبة عن عالمنا العربى.
أيضا فإن من الإجراءات التى اتخذتها الدولة، فيما يتعلق بالثقافة، العمل على وضع إستراتيجية وطنية للاهتمام بالثقافة الشاملة، وإبراز القوة الناعمة لمصر، وكذلك تم إنشاء المجلس الثقافى المصري، وأوكلت إليه مهمة التنسيق بين المبادرات والبرامج الهادفة إلى زيادة ثقافة المواطنين، ويضاف إلى ذلك، بدء العمل فى إنشاء منصة رقمية تفاعلية على أساس الذكاء الاصطناعى، حتى يتم إدخال التكنولوجيا فى تثقيف المواطنين، وزيادة وعيهم بمخاطر الأفكار الهدامة التى لاعلاقة لها بالدين ولا بتقاليد مجتمعنا الوسطى المتسامح، ولا يمكن أن ننسى دور مؤسسة الأزهر الشريف، وأيضا الكنيسة المصرية فى مهمة تنقية الوعى هذه، لإنجاح العملية الثقافية المتكاملة.
ويخطئ من يتصور أن عملية التنمية الشاملة، الجارية فى مصر الآن على قدم وساق، تعنى الإصلاح الاقتصادى فقط، بل إن التنمية هى عملية متكاملة الأجزاء، ومن أهم أجزائها التنمية البشرية، أى بناء الإنسان المؤمن بهويته الحضارية، وهنا يأتى دور الثقافة، ومن المعلوم أن لمصر عبر التاريخ هويتها الحضارية المتميزة، فإذا فقدتها، لاسمح الله، فإننا سنخسر الكثير، وهكذا فإن الثقافة هى عماد بناء روح الأفراد، بحيث ينخرطون فى الجماعة ولا يسعون إلى الهجرة وترك البلد.
وفى هذا السياق، لابد من التذكير بدور الإعلام، الذى بات يسعى إلى التسلية وركوب موجة السوشيال ميديا، لتحقيق أعلى المشاهدات، ومن ثم جلب أكبر قدر من الإعلانات، وفى هذا خطر عظيم على البناء الحضارى لهذه الأمة المصرية، فليت الإعلام ينتبه.
لمزيد من مقالات رأى الأهرام رابط دائم: