تعريف مختصر، الدكتور جلال الدين أحمد أمين (1935م - 25 سبتمبر 2018م)، عالم اقتصاد وأكاديمى، ذاع صيته بمؤلفه الشهير «ماذا حدث للمصريين ؟». لو كان طيب الذكر بيننا، لتمنيت عليه كتابة (الجزء الثانى) من أيقونته المتفردة ، مرجعا أمينا فى قراءة دفتر أحوال المصريين ، رحل الكبير دون تحقيق أمنية كثير من الباحثين المقدرين. كتاب الدكتور «جلال أمين» صدر فى بواكير القرن، فى عام 2006، ليغطى نصف قرن أخير فى القرن العشرين، وما حدث للمصريين فى ربع قرن أول فى القرن الحادى والعشرين يحتاج إلى باحث أمين فى أمانة الدكتور «جلال أمين». فى تصدير كتابه من قبل الناشر «دار الشروق» نصا: «مر المجتمع المصرى خلال نصف القرن الماضى بتغيرات عميقة، قلبت أشياء كثيرة رأسا على عقب، وربما جاز اعتبارها - فى قوتها ومداها - غير مسبوقة فى التاريخ المصرى الحديث على الأقل».
فى هذه الفترة (التى عكف عليها الدكتور جلال) شهدت مصر معدلا غير مسبوق بدوره فى تاريخها الحديث، للحراك الاجتماعى؛ أى تغير التكوين الطبقى للمجتمع، وصعود شرائح اجتماعية كانت فى أسفل السلم الاجتماعى وهبوط شرائح كانت فى أعلى السلم. ربع القرن الأول من الحادى والعشرين، يحتاج إلى دراسة اجتماعية سياسية معمقة على طريقة الدكتور جلال أمين، ومستوجب مراجعة دفتر الأحوال الاجتماعية للمصريين بحكمة وروية وعلم، لتفقد الأحوال، وصعود وهبوط الطبقات الاجتماعية حراكا . الشعب المصرى العظيم، امتحن كما لم يمتحن فى تاريخه والأهرامات شاهدة، امتحن بثورتين تواليا (25 يناير / 30 يونيو)، وثورة واحدة تكفى فى عمر الشعوب، وعشرية إرهابية سوداء كلفتنا خسائر يصعب حصرها ونحن نحصى شهداء التحرير الثانى لسيناء الحبيبة، وحربين (أوكرانيا وتاليا غزة)، ووباء (كوفيد 19).. ولا ينبئك مثل خبير بما تخلفه الحروب والأوبئة، ترسم بصماتها السوداء على مستقبليات الشعوب .
جد صعيب ما حدث للمصريين، تكالبت علينا الخطوب (الجوائح والحروب)، كلفتنا ما لا نطيق ولكنه كما هو مذكور فى (الإنجيل) شعب مبارك، وفى (القرآن) فى رباط إلى يوم الدين، وفى موسوعة مصر القديمة، شعب مفطور على حب الحياة، صابر وقانع، ويعالج قساوة السنين بسخرية المتفكهين.
ماذا حدث للمصريين، سؤال سهل.. صعب الإجابة عنه، التغيرات العميقة التى طرأت على جوانب عديدة من الحياة الاجتماعية فى مصر، تستأهل دراسة اجتماعية معمقة تقوم عليها مراكز ومؤسسات بحثية، تقف على التغيرات رصدا وتحليلا أمينا، تستخرج دروسا، وتنتهى إلى خلاصات، تنبنى عليها سياسات تعنى برفاه المصريين. ماذا حدث للطيبين، فى حاجة ماسة إلى «كونصلتو اجتماعى نفسانى» لتشخيص الحالة التى بات عليها المصريون، بين شقاء ورخاء، بين ألم وأمل، والدعاء من قلوب الطيبين صاعدا فى غبش الفجر من الأرض للسماء. تعجب وينال منك العجب العجاب من قدرة المصريين على امتصاص الصدمات، ومعالجة الحوادث، ومقاومة التحديات، وكأنهم يتحدون قدرهم، قدريين بالفطرة، والبناء على ما تقدم من خبرات عميقة فى التأقلم مع عاديات الدهر.
نحتاج جلال أمين مجددا، ليقف على عبقرية شعب علم العالم معنى الحضارة، كيف يحول المحنة إلى منحة، وفى كل الأحوال شاكر ربه حامد خالقه، يقبل يديه (وش وضهر) على الصحة والعافية و غبطة الأولاد والأحفاد. وياما شفت جمال ياعين، جمال المصريين فى إقبالهم على الحياة، كرم المصريين فى توادهم وتراحمهم، نفرة المصريين إذا ما تهدد الوطن الغالى، التفافهم حول قيادتهم وجيشهم صفا.. شعب عظيم يضرب الأمثال جميعا، يصدق فيهم قول شاعر العربية الكبير أبوالقاسم الشابى «إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الحياة..». على طريقة طيب الذكر جلال أمين، ماذا طرأ تغييرا على مفردات المصريين ، اللغة والموسيقى والغناء والسينما، فيروسات التعصب الدينى والتغريب، إلى طرائق حب الحياة للمصريين فى الاحتفال بالزواج أو التصييف، والساحل الطيب والشرير، إلى موقف المصرى من الهجرة الاختيارية، ومن الوظيفة الميرى، إلى التطور الذى لحق الفكر الاستهلاكى.
وعلى الطريقة الجلالية، نسبة لطيب الذكر، ضرورة الربط بين كثير من هذه المفردات التى تؤشر على التغيرات، وبين ظاهرة الحراك الاجتماعى السريع، قد تفسر ظاهرة الحراك أكثر بل وأهم هذه التغيرات التى طرأت على المجتمع المصرى.
لمزيد من مقالات حمدى رزق رابط دائم: