رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

كلام ثابت
لنضع حدا للقمامة

كانت شوارع المدن والقرى المصرية تستيقظ كل صباح على مشهد مألوف يعكس روح التعاون والجمال. كانت المحلات والمقاهى، جنبًا إلى جنب مع العديد من البيوت، تبدأ يومها بكنس الشوارع أمامها ورش المياه لتقليل انتشار الغبار، مما يضفى لمسة من النظافة على فضاءات الحياة اليومية، لكن تلك الثقافة النبيلة بدأت تتلاشى تدريجيًا، وانزوت خلف ستار من الإهمال. تراجع التزام كل منزل بنظافة ما أمامه، ليصبح التركيز مقتصرًا على تنظيف المنازل فقط، وكأن الشوارع ليست مرآة تعكس جمال تلك البيوت.

مع تراجع اهتمام البلديات بهذا الملف الحيوى، انتشرت أكوام القمامة بشكل صادم فى مختلف الأحياء، سواء كانت راقية أو فى المجتمعات العمرانية الجديدة، ليحل مكانها ثقافة جديدة، تعتمد على الاعتياد على هذا المشهد القبيح، مما جعل الأمر يستدعى تدخلاً قويًا من الحكومة لوقف هذه الظاهرة التى تشوه الإنجازات التى تتحقق على أرض الواقع.

كان جامع القمامة جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، يطرق الأبواب بلطف أو يلتقط كيس النفايات الذى كان محددًا له مكان أمام كل شقة، جامعو القمامة كانوا مثالًا للانتظام والانضباط، يتقاضون مبلغًا زهيدًا مقابل جمع النفايات، لكنهم كانوا يكتفون بما يحصلون عليه من فرز المخلفات، واستثمار ما تحتويه من مواد قابلة للبيع، سواء كانت عضوية أو صلبة، وبعضهم استطاع بناء ثروات من فرز وإعادة تدوير هذه المخلفات، مستفيدين من كل ما تحمله من قيمة.

فى القرى، كانت الحياة أكثر بساطة، حيث تنتج المنازل كمية ضئيلة من المخلفات، لأن السكان كانوا يستفيدون من كل بقايا الطعام والمخلفات، كانوا يطعمون الطيور والحيوانات منها، أو يحولونها إلى وقود للأفران الطينية التى كانت تنتشر فى معظم منازل القرى. أما الآن، فقد تغيرت ملامح القرية، اختفت الأفران التقليدية التى كانت تعتمد على الوقود العضوى، وحل الغاز محلها، وازداد إنتاج القرى من المخلفات.

كان قرار إسناد جمع القمامة إلى شركات متخصصة له وجاهته، فالتطور يحتاج إلى شركات تمتلك عربات مجهزة، ومكبات تحتوى على معدات متطورة للفرز، والتخلص من النفايات الضارة، وإعادة تدوير النفايات القابلة للتصنيع. لكن التجربة توقفت لأسباب متباينة، دون أن يعود جامع القمامة، ولم تعد القمامة فى معظم المدن والقرى تجد من يجمعها أو يعيد تدويرها، تحولت معظم الشوارع إلى مكبات للنفايات، ولأن صناديق القمامة التابعة للبلديات والأحياء غير كافية، أو يتم سرقتها، أو لم تعد صالحة لغياب الصيانة، وبالتالى تكومت النفايات على جوانب الأرصفة، حيث أصبحت تلك التلال من القمامة تشوه منظر الشوارع وتثير روائح غير مستحبة، لتأتى قطط الشوارع وكلابها لتعيد توزيع هذه النفايات، فتنتشر فى كل زاوية وكأنها جزء من مشهد يومى اعتدنا على رؤيته، ونتأفف منها أحيانًا، لكننا نكتفى بالتذمر دون اتخاذ أى إجراء للتخلص منها، حتى أن بعض الشقق والبيوت تلقى القمامة فى أكياس من الشرفات أو النوافذ على قارعة الطريق أو على جوانبه، حتى لا يبذلوا جهدًا فى حمل الأكياس إلى أقرب صندوق للقمامة. وعندما تلومهم، يقولون: الشارع مليء بالقمامة، والصندوق بعيد أو غير موجود.

اعتيادنا على وجود القمامة فى الشوارع ظاهرة خطيرة، تعنى أننا فقدنا الاهتمام بصحتنا أو جمال أماكننا، وأن ذوقنا تدهور، وأنانيتنا وفرديتنا تضخمت، ولم نعد نكترث بشيء.. إنه مرض خطير لابد من علاجه.. هناك تجارب ناجحة فى تشكيل مشروعات شبابية لجمع وفرز وإعادة تدوير القمامة، وعلى المحافظين ورؤساء الأحياء أن يتحركوا بسرعة لوضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة، وأن يتم تقييم كل محافظ أو رئيس حى وفقًا لنظافة الأماكن المسئولين عنها، حتى نعود لنعتاد النظافة.


لمزيد من مقالات عــــلاء ثــابت

رابط دائم: