ما أشبه الليلة بالبارحة, فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1980, والتى كانت بين الرئيس جيمى كارتر عن الحزب الديمقراطى ورونالد ريجان عن الحزب الجمهوري,كانت هناك أزمة الرهائن الأمريكيين المحجوزين فى السفارة الأمريكية بطهران وكانت هناك مفاوضات بين إدارة الرئيس كارتر وبين إيران لإطلاق سراح 52 رهينة أمريكية بعد قضائهم 444 يوما فى الأسر, وعندما نجحت المفاوضات برعاية جزائرية تقاعست إيران عن رجوعهم حتى لا ينال الرئيس كارتر الذى كانت تزدريه إيران والذى خسر الانتخابات أى فضل فى عودة هؤلاء الأسري, واختارت إيران أن يعودوا بعد يوم واحد من تنصيب الرئيس الجديد رونالد ريجان فى 20 يناير 1981, وبعدها سمحت إدارة ريجان التى كانت تشعر بالإمتننان م بما فعلته إيران بالإفراج عن 8 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة. يبدو أن نفس السيناريو يتكرر فى انتخابات 2024 والتى ستجرى فى 5 نوفمبر القادم بين المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري, نتيجة طلب المرشح الجمهورى ترامب من نيتانياهو عدم قبول أى اتفاقيات بخصوص الرهائن الذين تحتجزهم حماس قبل الانتخابات.
سير الحوادث يشير الى أن نيتانياهو قبل تلك الترتيبات وأنه يعمل جاهدا مرارا وتكرارا على إفشال المفاوضات التى تجرى تحت رعاية أمريكية ووسطاء عرب استجابة لرغبة ترامب رغم أن إدارة الرئيس بايدن أعطت نيتانياهو كل ما طلب من مساعدات اقتصادية وعسكرية، ورغم الإقرار الدائم من الرئيس بايدن أنه صهيونى عتيد, إلا أن نيتانياهو كما يبدو قد استجاب لترامب وعقد معه اتفاقا على تأخير قبول إبرام اتفاقية عودة الأسرى الى ما بعد الانتخابات الرئاسية, لأنه يعلم أن ترامب سيكون أكثر فائدة وعطاء لإسرائيل وأكثر امتنانا لما فعله نيتانياهو باستجابته لطلبه. نيتانياهو يتبع إستراتيجية واضحة وثابتة وينفذها بحذافيرها غير مبال بالعالم كله. ففى لبنان تعرض حزب الله لاختراقات أمنية مكنت إسرائيل من اغتيال السيد حسن نصر الله أمين حزب الله وكثير من قيادات الحزب بطريقة جعلت من نيتانياهو بطلا فى نظر الإسرائيليين والذين فيما يبدو نسوا له الكثير من الفشل, ولم يعد أحد يهتم بالأسرى الإسرائيليين وأنهم بدأوا يميلون الى ما يردده نيتانياهو. سبق أن قالها نيتانياهو مرارا وتكرارا أنه يريد نصرا كاملا وأنه يريد إعادة تشكيل المنطقة والقضاء على الأشرار. ما يقصده بالنصر الكامل هو التحطيم الكامل لحماس وحزب الله والمقاومة فى العراق واليمن وأى مكان آخر, إضافة الى جر أمريكا للمساعدة فى هزيمة إيران وتحطيم برنامجها النووي. الغريب فى الأمر أن إدارة الرئيس بايدن درجت على إبداء اعتراض فى بداية كل جريمة ثم تنصاع للأمر كله عقب إبداء أى اعتراض من نيتانياهو, وأصبح قولهم الثابت: «من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها». كل التنافس عل حب نيتانياهو ونيل رضاه من الجمهوريين والديمقراطيين جعل نيتانياهو أكثر تحديا للمعارضة بالداخل والخارج وأصبح يتجاهل اعتراضات أهالى الأسرى الذين يعتقدون أن نيتانياهو نسيهم، وأنه لا يهتم بأى شيء آخر فى سبيل بقائه فى الحكم. ويتجاهل المعارضة التى تصفه بأنه لا يعمل لمصلحة البلاد، وأن كل ما يهمه هو البقاء فى السلطة وأنه يعرقل اتفاقية الرهائن رغم أنها الطريق الوحيد نحو التحالفات الإقليمية للتعامل مع إيران.
ركب نيتانياهو موجة حظه السعيد وتوفيقه بالداخل والخارج فزاد من عدوانيته على غزة وزاد من طغيانه على لبنان ومحاولاته تحطيمها مثلما فعل بغزة. هو يعلم علم اليقين أنه أمن العقاب وأنه لن يتعرض لأى عقوبة طالما هو تحت الحماية الأمريكية المطلقة والتى أصبحت لا تملك غير تعليقها على كل عملية إرهابية يرتكبها بأنها تتفهم ما تفعله. أما بقية العالم فأصبح فيما يبدو لايهتم وأنه لا يبال.
خرج يوم الثلاثاء فى الثامن من أكتوبر منتشيا وكأنه إمبراطور العالم موجها رسالة تحذير للبنانيين وقال واعظا لهم فى رسالة صوتية ومناشدا, ومطالبا إياهم بالوقوف ضد حزب الله المدعوم من إيران وإن لم يفعلوا فإنهم سيتعرضون لدمار مثل غزة. قال:»هل تتذكرون عندما كان بلدكم يطلق عليه اسم لؤلؤة الشرق الأوسط؟. أنا أتذكر. لقد احتلت إيران لبنان وهى التى تمول حزب الله، وهى التى تموله من أجل خدمتها. لقد حولت لبنان الى مخزن أسلحة. لقد قررت إسرائيل وضع حد لعدوان حزب الله وأن تفعل كل ما هو ضرورى لحماية مواطنيها وإعادة شعبها الى المنطقة الشمالية. لإسرائيل الحق فى الرد والفوز وسوف تفوز إسرائيل. لقد قتلنا نصر الله وخليفته وخليفة خليفته. اليوم أصبح حزب الله أضعف مما كان. لقد أصبح الشعب اللبنانى الآن فى مفترق الطرق. لقد أصبح المسيحيون والمسلمون السنة والدروز يعانون حرب الشيعة ضد إسرائيل. هل الأمر يستحق؟. لديكم فرصة. قفوا واستعيدوا بلدكم من أجل ازدهار بلدكم ومن أجل مستقبل أفضل لأطفالكم وأحفادكم وحتى تتمكن الأجيال القادمة من الأطفال اللبنانيين والإسرائيليين من العيش فى سلام. أيها المسيحيون والدروز والمسلمون السنة والشيعة أنتم جميعا تعانون بسبب حرب حزب الله العبثية ضد إسرائيل. قفوا واستعينوا وطنكم».تذكرت قصيدة الثعلب والديك لشوقى عقب سماع نيتانياهو:
«برز الثعلب يوما فى ثياب الواعظينا. فمشى فى الأرض يهدى ويسب الماكرينا. ويقول الحمد لله إله العالمينا. ياعباد الله توبوا فهو كهف التائبينا. وازهدوا فى الطير إن العيش عيش الزاهدينا. واطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا. فأجاب الديك عذرا يا أضل المهتدينا. إنهم قالوا وخير القول قول العارفينا. مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا»
لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة رابط دائم: