«هزم كل خصومه، وهو غير موجود».
هكذا تحدث الرئيس السيسى عن «الشهيد» الراحل أنور السادات، الذى سبق عقله زمنه، وصنع المعجزات لشعبه، وغير خريطة المنطقة والعالم.
كرمت الدولة ومؤسساتها الرئيس السادات فى أكثر من مناسبة، وأكثر من موضع، وكرمت حتى قرينته الراحلة «جيهان»، ولم تقصر فى ذلك، فهى أول من يدرك قيمته وحجمه، ولكن الراحل لم يلق، للأسف، من أبناء وطنه وعروبته ما يليق به، لا فى حياته، ولا حتى بعد مماته.
هذه الأيام، تحاول «السوشيال ميديا» رد اعتباره «شعبيا».
ولكن بعد ماذا؟
بعد رحيله بأكثر من 40 سنة كاملة؟!
عشنا أيام السادات، ونتذكرها جيدا.
لو كنا قد نسينا، فتعالوا نُذكّر بعضنا بعضا.
«هوجم» بعنف، و«اتشتم» من طوب الأرض، واتُّهم بأبشع الصفات، ولم يسلم أفراد عائلته من النكات و«قلة الأدب»، بل والطعن فى أخلاقه ودينه وكرامته.
لم يسلم السادات من الأذي، سواء قبل نصر أكتوبر، أو بعده، وسواء بعد الانفتاح الاقتصادى أو بعده، وسواء بعد السلام واسترداد الأرض، أو بعد ذلك، وعاش حياته غير قادر على الدفاع عن نفسه، إلى أن سقط شهيدا.
لم يتحمل أحد ما تحمله السادات رئيسا.
حضرنا النكات التى أطلقت عليه بسبب تأخر قرار الحرب، والآن، تنشر كتب وفيديوهات عن عبقرية اختيار قرار الحرب وتوقيته.
حضرنا ما كان يقال عنه فى فترة اللا سلم واللا حرب، والمرحلة «الضبابية»، وحضرنا أيام الانتظار الطويلة التى شكك خلالها المصريون فى قدراته العسكرية والسياسية، قبل اتخاذ قرار العبور العظيم.
حضرنا ما تعرض له من هجوم بعد قرارات الانفتاح الاقتصادى للتحول من الاشتراكية إلى اقتصاد السوق الحرة و«دعه يعمل ودعه يمر»، و«الحقنة المؤلمة» التى كان لابد منها لوضع اقتصاد مصر على «تراك» الاقتصاد العالمى «زى الناس»، بدلا من اقتصاد الدعم وبطاقات التموين الذى «قسم» وسط مصر واقتصادها لعقود طويلة، وخلف لنا أجيالا من «التنابلة»، الذين ينجبون، ويتكاثرون، ولا يتعلمون، ولا ينتجون، وينتظرون من الحكومة الأكل والشرب والمسكن «ببلاش».
حضرنا أحداث 18 و19 يناير التى أحرق فيها متظاهرون القاهرة، وسرقوا ونهبوا، ووجهوا أبشع السباب للسادات، اعتراضا على قرارات اقتصادية يجب أن نندم الآن على أننا تأخرنا فى اتخاذها.
حضرنا عادل إمام وهو يسخر من السادات شخصيا فى «شاهد ما شافش حاجة»، فى وجود السادات فى السلطة، وهو يقول لرئيس المحكمة «البيه يبقى الرئيس؟ أمال مش شبه الصور»؟!
وشاهدناه فى المسرحية نفسها عندما قال متهكما: «أنا مبسوط من الحكومة قوي، والرغيف كبير، والشقق كتيرة، والمواصلات فاضية، وكل شوية تقولوا لنا فكوا الحزام»!
حضرنا سعيد صالح وهو يقول فى إحدى مسرحياته فى الثمانينيات فى إطار حديثه عن رؤساء مصر السابقين «واحد أكلنا المش، وواحد علمنا الغش (يقصد السادات)، والتالت لا بيهش ولا بينش»!
حضرنا أيام الشيخ كشك، وخطبه العنيفة فى مسجد «عين الحياة» بحدائق القبة، التى كانت تمتلئ بعبارات التحريض على السادات، وأفراد حكومته وعائلته، إلى أن «كفروه» واتهموه بالخيانة بعد كامب ديفيد، واستحلوا دمه، وهم الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة على إسرائيل فى تاريخهم.
حضرنا أيام الإذاعات العربية الموجهة التى كانت تبث من دول جبهة «الصمود والتصدي»، وكان يعمل بها بعض المحسوبين علينا كمصريين، وكانت تمتلئ بكل أصناف الشتائم لمصر وشعبها ورئيسها، وإهانات للجميع على أساس أن مصر هى بلد «الحشيش» و«شارع الهرم»، وبس.
حضرنا كاريكاتير ناجى العلى الذى «يطبل» له البعض حتى يومنا هذا، وكانت مليئة بأبشع الإهانات لمصر ورئيسها.
حضرنا أحمد فؤاد نجم، الذى رقص فى اغتيال السادات، بعد أن تطاول عليه فى قصيدة «بيان هام»، وغيرها.
حضرنا مسرحية عربية شهيرة لنجم عربى كبير بعد كامب ديفيد مباشرة، تظهر فيه شخصية «راقصة» تتحدث بالعامية المصرية اسمها «الست فضيحة»!
حضرنا «التريقة» على البايب و«الزبيبة» و«الجلابية» والرئيس المؤمن و«كبير العيلة» وقانون العيب و«قف مكانك»، والأرشيفات موجودة، واليوتيوب موجود، لو كان بعضنا قد نسي!
أهين السادات فى حياته، ولم يشفع له وقتها أنه «مسح» إسرائيل «بأستيكة» واسترد الكرامة والهيبة والأرض وصنع السلام، وكاد يضع مصر على الطريق الصحيح اقتصاديا.
هل تكفى بعض «كليبات» السوشيال ميديا التى تمتدح شخصيته وعبقريته لرد اعتباره، وهو الذى مات كمدا، قبل أن يُقتل؟
أم أنه من الأفضل لنا أن نتعلم الدرس، ونعرف كيف نقدر قيمة الرجال فى الوقت المناسب، وليس «بعد الهنا بسنة»؟!
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: