رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

لماذا تفلت إسرائيل من المساءلة والعقاب؟

إن العالم، الذى أذهلته الوحشية الإسرائيلية الهمجية، غير قادر على الرد بشكل منصف أو محايد ويراقب إسرائيل، وهى تواصل محو الفلسطينيين، والآن اللبنانيين أيضاً، من الوجود. فى حرب هى الأكثر توثيقًا لكنها الأكثر إنكارًا، السؤال الذى يطرح نفسه هو: لماذا تفلت إسرائيل من المساءلة والعقاب؟

قال نيتانياهو إنه لا أحد يستطيع أن يوقف الحرب التى تشنها إسرائيل لسحق حماس وحزب الله، «لا لاهاى، ولا محور الشر، ولا أى شخص آخر». كما حذر من أنه لا توجد قوة فى العالم «قادرة على وقف حرب الجيش الإسرائيلى». وأنذر فى خطابه الأخير فى الأمم المتحدة: «لا يوجد مكان فى إيران لا تستطيع الذراع الطويلة لإسرائيل الوصول إليه، وهذا ينطبق على الشرق الأوسط برمته».

بغطرسة غريبة، يتحكم نيتانياهو فى العالم، ويقصف أى بلد يشاء، ويقتل كل المدنيين الذين يقفون فى طريقه. وعندما اقترح الرئيس بايدن على نيتانياهو عدم إطالة أمد الحرب لتحقيق مكاسب سياسية، رفض نيتانياهو نصيحة حليفته الولايات المتحدة. كما ترون، إسرائيل لا تخشى أحدا وتقوم بتطبيق ما لا يمكن تصوره دون خوف ولا إنسانية. ولأن نيتانياهو يعتقد أنه لن تكون هناك عواقب، فلا عجب أن يعتقد الإسرائيليون أنهم فوق المساءلة، لذا اعتاد الجنود الإسرائيليون عرض إجرامهم ووحشيتهم على منصات التواصل الاجتماعى دون خجل.

على المستوى الشعبى، أعربت شعوب العالم بالفعل عن سخطها، ولكن على المستوى الحكومى، ظل العالم الغربى، على وجه الخصوص، صامتًا ومخدرًا، لذلك، على الرغم من معاناة الأبرياء، الحرب مستمرة بلا هوادة.

هناك عاملان يؤديان إلى العقلية الإسرائيلية المستفزة هذه: الأول علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، والثانى، تطورها التكنولوجى. لقد لعبت الولايات المتحدة دورا هائلا فى السماح لإسرائيل بالإفلات من القصاص عن جرائم القتل والإبادة، وشجعتها على إلحاق الأذى والتجاوزات والانتهاكات. بمجرد وقوع كارثة مثل تدمير مدرسة بسكانها الذين يبحثون عن مأوى فى غزة، أو تفجير أجهزة الاستدعاء وأجهزة الاتصال اللاسلكى فى أيدى المدنيين مثل الأطباء والممرضات فى لبنان، أو قصف قنصلية إيرانية بموظفيها الخمسة عشر فى سوريا، يقدم السكرتير الصحفى للبيت الأبيض أعذارًا فارغة، «لم تكن الولايات المتحدة على علم بالهجوم»، «لن أخوض فى التكهنات هنا»، «نحن بحاجة إلى انتظار التقرير”، أو “دعونا ننتظر التحقيق الإسرائيلى”. وذلك حتى يتم نسيان الحادثة لحدوث عشرات الحوادث الأخرى.

كما يعد اللوبى المؤيد لإسرائيل أحد أكثر الكيانات تنظيما وقوة فى الولايات المتحدة وأماكن أخرى. ولا توجد أى جماعة ضغط دينية أو سياسية أخرى تتمتع بموارد جيدة أو منسقة مثله. تبرعت لجان العمل السياسى المؤيدة لإسرائيل بأكثر من 3 مليارات دولار للانتخابات الرئاسية 2024 بحصص متساوية تقريبا بين الديمقراطيين والجمهوريين، وهذا يحافظ على إخلاص المشرِّعين لإسرائيل ويعميهم عن فظائعها. ونتيجة لذلك، فإن الكونجرس الأمريكى يمتلئ بمؤيدى إسرائيل. وقد رحب أعضاؤه بنيتانياهو بحرارة، ووقفوا 58 مرة ليصفقوا له وهو يتحدث فى الكونجرس رغم قتله المدنيين متى شاء. وهذا يجعل النظام الإسرائيلى غير مبال تماماً بالمخاوف والمطالب الأمريكية الواهية، لأنه لا يتوقع أى معاقبة أو قصاص. ومع ذلك، تواصل الولايات المتحدة تمويل جرائم الحرب من خلال توفير المساعدات العسكرية، واستخدام حق النقض ضد كل اقتراح مؤيد للفلسطينيين فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وعلينا الاعتراف بقوة إسرائيل التكنولوجية العالمية، فهى تزود حكومات العالم وجيوشها وشركاتها بالتكنولوجيا العالية وقواعد البيانات والأمن والحرب السيبرانية والاتصالات المشفرة. هذه التقنيات التى تنتجها الشركات الإسرائيلية متجذرة بعمق فى منتجات الشركات الغربية خاصة فى مجالات تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات والإنترنت، لدرجة أنه سيكون من المستحيل الاستغناء عنها حتى أصبحت تقنيات إسرائيل قوة سياسية عالمية. وبمجرد الاعتماد على التكنولوجيا الإسرائيلية فإن الدول تدفع الثمن: هى محتكرة، ويجب عليها الامتثال. إن مقاطعة الشركات التى تقوم بأعمال مع إسرائيل تعنى الابتعاد عن المنتجات والخدمات التى تصنعها شركات أبل، وجوجل، ومايكروسوفت، وأمازون، على سبيل المثال لا الحصر.

ومع الاعتماد على الخدمات الإسرائيلية، يمكن لإسرائيل، إذا رغبت، التسلل عمدًا إلى أنظمة الشركات فى جميع أنحاء العالم، وإرفاق عيوب أو رسائل مشفرة إلى هذه الأنظمة، وإضافة برامج ضارة للسيطرة عليها. وعلى هذا المنوال، يمكننا أن نرى بدقة كيف تمكن الإسرائيليون من تنفيذ عملية الاستدعاء والاتصال اللاسلكى. لقد قاموا بتصنيع أجهزة الاستدعاء عبر شركة وسيطة، ووضعوا بداخلها مادة متفجرة يمكن تفجيرها بواسطة إشارة رقمية يتم إطلاقها من بعيد لتظهر قدرة إسرائيل على الوصول لمن يعاديها.

ومن ثم فإن العالم يراقب ولا يفعل شيئًا.


لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى

رابط دائم: