شعب «يغني»، لن يموت، ولن ينكسر.
من يحاربون الغناء والفن، ويهيلون عليه التراب، مع كل مناسبة، وكل «نفس»، ويحرمون علينا «العيشة» كلها، هم فى واقع الأمر يحاولون كسر أقوى سلاح فى أيدى المصريين.
غنينا فى الهزيمة، وغنينا فى نصر أكتوبر.
أغانى ما بعد الهزيمة لم يكن فيها تشاؤم ولا إحباط، بل كانت كلها تبشر بالنصر الآتي.
أغانى أكتوبر تحديدا يمكن تصنيفها إلى أنواع ومراحل: أغانى الخروج من «شرنقة» يونيو، وكآبة الأجواء، إلى التحفيز للحظة العبور، وأغانى أيام الحرب التى كانت لا تفارق جنودنا على الجبهة، وأغانى الاحتفال بالنصر، التى كانت أشبه بـ«زفة» الفرح بإيقاعاتها وبهجتها وزغاريدها.
النوع الأول، امتد من صبيحة 6 يونيو 1967، واستمر حتى 5 أكتوبر 1973، وكانت من أبرز معالمه «موال النهار»، التى بدأها الأبنودى وحليم وبليغ سوداوية بطعم الهزيمة، «عدى النهار والمغربية جاية»، وأنهوها بـ «أبدا بلدنا ليل نهار، بتحب موال النهار، لما يعدى فى الدروب، ويغنى قدام كل دار»، إذن النصر قادم، ولا وقت للنحيب.
وهناك أغنية المجموعة فى فيلم «العصفور»، كلمات نبيلة قنديل، ولحن على إسماعيل بالمارشات العسكرية «رايحين، شايلين فى إيدنا سلاح، راجعين، رافعين رايات النصر»، لحن ناس منتصرة!
والأغرب فى هذه الفئة أغنية «يا بيوت السويس»، التى تقول فى أحد مقاطعها: «والله بكرة يا عم أبو ريا، لا ها نضحك واحنا ماشيين سويا، ع المينا والا ع السكة دية، وها تاخد بنتك وابنك ومراتك، وتعدى على نفس المعدية، وتقول يا دنيا والله وصدقتى»!
أى ثقة فى النصر هذه من الأبنودى ومحمد حمام؟!
«درة» الأغانى الوطنية «يا حبيبتى يا مصر» بكل رقتها ظهرت عام 1970!
نحن إذن أمام شعب يغنى، ويعرف كيف ومتى وماذا يغني!
والنوع الثانى من أغانى أكتوبر، وهو الغناء الذى ظهر فى أيام الحرب نفسها.
على رأسه طبعا «بسم الله»، و«ع الربابة»، و«عبرنا الهزيمة»، و«يا ام الصابرين تهنا والتقينا»، و«سمينا وعدينا» لشهرزاد، وجميعها لحن بليغ، ولكننا ننسى جميعا لبليغ أنه صاحب أشهر ألحان أيام الحرب على الإطلاق، وهو ابتهال «الله يا الله» الذى كان يذاع فى الراديو يوميا لحظة الإفطار بصوت النقشبندى، فتنهمر دموع المصريين وتلهج ألسنتهم بالدعاء لجيشنا.
وفى تلك الفترة، غنى «حليم» ثلاث أغنيات وطنية: «قومى يا مصر» و«الفجر لاح»، والثالثة «لفى البلاد يا صبية» التى أظن أنها أعدت قبل الحرب وتم تعديلها بعد النصر، فقد كانت تقول عن جنودنا «والمهر غالى وها يجيبوه»، لتصبح بعد التعديل «والمهر غالى .. واهم جابوه».
طبعا اسألوا كل من شارك فى الحرب على الجبهة، ماذا كانت تعنى هذه الأغانى بالنسبة لهم وقتها.
ومن أغانى أكتوبر المنسية أغنية عبقرية «رايقة» لمحمد رشدى، حتى وإن كانت بعد الحرب بفترة، اسمها «أهو كده»، تقول فى مطلعها «أهو كده أهو كده، ربك عدلها جعلها رضا»، وبها جملة لم أجد مثلها فى أى أغنية أخرى لوصف ما حدث فى «الثغرة» ربما، تقول عن جيش العدو بلهجة شعبية مصرية خالصة: «غاروا إلى حيس (حيث)، مرحب يا سويس، أهلا يا ولاد الاسماعيلية، بشاير خير، ودا أول غيس (غيث)، والباقى على الله وعليه، وان عاد الحال، مدفعى شغال، دم الأبطال ما يضيعش سُدى، ربك عدلها جعلها رضا»!
أما النوع الثالث، فهو أغانى الفرح والبهجة والاحتفال بالانتصار العظيم، بجانب إعادة إحياء أغانى ما قبل الحرب، فظهرت «عاش اللى قال» التى كان حليم يغنيها فى مطلع كل حفلة، وبعدها «المركبة عدت» و«النجمة مالت» عقب إعادة افتتاح قناة السويس للملاحة، وهناك أغنيات أعادت كمال الطويل للتلحين مثل «حسب المعاد» و«ع البر التاني» لنجاة، أما «عروس السويس» لعايدة الشاعر، وهى لحن بليغ الوحيد على السمسمية، وتقول فيه عروس سويسية «وحلفت يومها يا بطل ما اكتب كتابى، غير فى السويس الحرة أحلامى وشبابي»، فى إشارة إلى عودة الحياة والفرحة إلى مدن القناة الثلاث.
ومن «منسيات» أكتوبر أيضا «صدق وعده» للمجموعة، وأغنية قصيرة أخرى اسمها «بسم الله» بلحن آخر مبدع لـ«المفتري» بليغ فى خاتمة فيلم «أبناء الصمت»، وكأن «بسم الله الأولى» لم تكفه!
هل عرفتم الآن، لماذا الحرب شرسة من «الجماعة اياهم» لـ«العكننة» على المصريين، كلما غنوا أو أبدعوا، بعد أن قتلوا بطل الانتصار العظيم؟!
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: