اللامبالاة تترجم «ما يجب الاهتمام به، والأهم من هذا أنها تأتى من معرفة ما ينبغى عدم الاهتمام به».. يذهلك نجم الكرة المصرى (العالمي) «محمد صلاح»، ليس فى قراءة الملعب فحسب، بل فى قراءاته الأخرى، خيارات صلاح الأدبية تشى بعقلية ناضجة، وصورته الأخيرة التى صدرها إلى محبيه حول العالم دالة، ورسالة بعلم الوصول إلى منتقديه. صلاح ظهر فى الصورة وهو يقرأ كتابًا بعنوان طويل ومعبر: «فن اللامبالاة: لعيش حياة تخالف المألوف»، الكتاب الأكثر مبيعا حول العالم، للكاتب الأمريكى «مارك مانسون».
الصورة الذكية تنم عن عقلية احترافية تشكلت على مهل، ونضجت، صلاح صار عقلانيا، يفقه المبادئ الأساسية لعلم الحياة، تحديدا كيف تكون سعيدا، وتظل سعيدا، ولا تفقد أبدا ابتسامتك حتى فى أحلك الظروف الكروية، ابتسامة صلاح من أسلحته الفتاكة!
صلاح يتجاهل كل ما يعكر صفوه، ويتخفف من الأحمال، ويعالج الإنهاك الكروى بتجاهل المنغصات الإلكترونية، هناك من يتعقب صلاح بشراسة، واقف له على الكرة. لسان حال صلاح : أنا جد سعيد، ابتسامتى حقيقية ليست مصنوعة، لا أرتدى (ماسك)، لا أتصنع سعادة، ولا آبه بـ«حزب أعداء النجاح» الذى يتكاثر على الشواطئ كالطحالب السامة .
يحضرنى مقولة طيب الذكر الدكتور «أحمد زويل»: «الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء؛ هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل»!.
الكتاب الذى اختاره «صلاح» مصنف كأحد كتب التنمية البشرية، موجه للأشخاص الذين يريدون العيش حياة غير مألوفة، يتحدث عن الصدمات التى يشعر بها الناجح بين أهله، وأن الإنسان لا يجب بالضرورة ان يكون إيجابيا طوال الوقت، حيث مفتاح السعادة والقوة فى التعامل مع الشدائد بشكل أفضل.. بالتجاهل أحيانا، وعدم المبالاة فى كثير من الأحيان!. فصول كتاب «فن اللامبالاة» تحوى نصائح جيدة لأصحاب العاطفة الجياشة الذين تزعجهم الخفافيش السوداء، كيفية تغلب الإنسان على عقبات حياته بطريقة منطقية بعيدا عن التهرب والخوف منها.. وفى هذا يقول المؤلف: «النضج هو ما يحدث عندما يتعلم المرء ألا يهتم إلا بما يستحق اهتمامه».
للأسف لدينا كثرة زائدة من الضغوط إلى حد يجعلنا غير عارفين بالشىء المهم إنجازه، وظل يُقال لنا طيلة عشرات السنوات إن التفكير الإيجابى هو المفتاح إلى حياة سعيدة ثرية، لكن الكاتب يواجه تلك «الإيجابية المفرطة» بطلب التخفف منها، التخفف من بعض الأعباء التى تثقل الكتفين، وتحنى الظهر، وتشل القدرات، بعض اللامبالاة يشفى من العلة..
فى كتابه لا يتهرّب «مانسون» من الحقائق ولا يغلفها بالسكّر، بل يقولها صريحة «جرعة من الحقيقة الفجِّة الصادقة المنعشة هى ما ينقصنا اليوم.. فلنعمل على أن يكون لدينا شعور طيب، وأن ندرك مخاوفنا ونواقصنا وما لسنا واثقين منه، وأن نكفّ عن التهرب والفرار من ذلك كله، ونبدأ مواجهة الحقائق الموجعة، حتى نصير قادرين على العثور على ما نبحث عنه من جرأة ومثابرة وصدق ومسئولية وتسامح وحب للمعرفة».
ويقر المؤلف حقيقة تغيب عن البعض، ومؤداها لا يستطيع كل شخص أن يكون متميزًا متفوقًا، ففى المجتمع ناجحون وفاشلون؛ وقسم من هذا الواقع ليس عادلًا وليس نتيجة غلطتك أنت.. وصحيح أيضا، أن المال شىء حسن، لكن اهتمامك بما تفعله بحياتك أحسن كثيرًا؛ فالتجربة هى الثروة الحقيقية. إنها لحظة حديث حقيقى صادق لشخص يمسكك من كتفيك وينظر فى عينيك، ويقولها هكذا : خفف أحمالك، لأن العالم كان هكذا على الدوام، ولأنه سيظل هكذا على الدوام، لا تكن كناطح صخرة يوما ليوهنها (من شعر الأعشى).
السؤال الذى لا ينتبه إليه أكثر الناس، هو: ما قدر الألم الذى تريده فى حياتك؟ وما الذى تظن أنك مستعد للكفاح من أجله»؟ هذا هو السؤال الصعب الذى له أهمية، السؤال الذى سيوصلك إلى حقيقة الأمر.
إن ما يقرر نجاحك ليس ما تريد أن تستمتع به؟ إن الطريق إلى السعادة دربٌ مفروش بالأشواك والخيبات.. إذن عليك أن تختار شيئًا يسعدك، كما يفعل «صلاح»، أظنه سعيدا، السعادة هى السؤال السهل، وتكاد الإجابة عن هذا السؤال تكون متماثلة عندنا جميعًا.
خلاصته، لا يمكنك أن تحظى بحياة لا ألم فيها.. لا يمكن أن تكون الحياة كلها مفروشة بالورد طيلة الوقت.
لمزيد من مقالات حمدى رزق رابط دائم: