لا جدال فى أن الدولة الوطنية المستقلة تنفرد وحدها بحق استخدام القوة المسلحة لفرض الأمن بالداخل وحماية الحدود. ومهما حاول البعض، وفى منطقتنا العربية على وجه الخصوص اختلاق الأسباب لشرعنة التنظيمات المسلحة الخارجة على سلطة الدولة، والتى ولدت لأسباب عقائدية أو أيديولوجية أو غيرها، فلا مجال للمساواة بين جماعات مسلحة تضع رأسها برأس الدولة، وتنازعها سلطات السيادة،وتنظيمات كانت وليدة احتلال وغياب لسلطة الدولة فى مواجهة المحتل. ومنذ ثورات ما سمى الربيع العربى ازداد النظر لوضع مثل تلك التنظيمات المسلحة فى الإقليم العربى تعقيدا وارتباكا، فى مشهد لا ينقصه بالأصل الغموض والريبة، وكانت إسرائيل وسياساتها العدوانية السبب الرئيسى وراء هذا الارتباك، وإثارة الجدال حول شرعية مثل تلك التنظيمات المسلحة فى المنطقة!
فالاتهامات كانت تلاحق حزب الله اللبنانى مثلا بإقامة دولة داخل الدولة، وبالتدخل فى الحرب السورية،وجرّ لبنان إلى حرب غزة، ولاحقت نفس الاتهامات الميليشيات الحوثية فى اليمن. وكانت الاعتداءات الهمجية للقوات الإسرائيلية على الجبهات المتعددة فى فلسطين ولبنان واليمن وسوريا، وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء ومئات الآلاف من المصابين، وتدمير مدن وقرى وبنى تحتية شاسعة، وراء إعادة تقييم المواقف الرافضة لوجود مثل تلك التنظيمات واعتبارها شوكة فى ظهر إسرائيل ورادعا لنياتها التوسعية.
فالرفض الإسرائيلى لكل الضغوط الدولية، وللاحتجاجات المدنية والشعبية فى العالم، وتحديها لنداءات القوى المعتدلة بالمنطقة لإثنائها عن عدوانها والاعتراف بالقرارات الدولية وحق الفلسطينيين فى دولتهم، شكلت عاملا حاسما فى ترجيح كفة المؤيدين للجماعات المسلحة التى تتصدى لإسرائيل والتغاضى عن أخطائها ولو مؤقتا، وهو تجسيد للوحدة بين المختلفين فى مواجهة المعتدي.
ويظل الرأى الحاكم حول تلك التنظيمات المسلحة التى لا تتبع الدولة أيا كان نوعها أو مرجعيتها، أن وجودها يعد انتقاصا من سيادة الدولة على إقليمها،ومظهرا لخلل أو ضعف فى بنية هذه الدولة، لكن أمام هذا الموقف الإقليمى المرتبك، ووجود عدو متربص يمكن التغاضى عن المسلمات لحين زوال التهديد.
[email protected]لمزيد من مقالات شريف عابدين رابط دائم: