لا يعلم الذين يستخدمون وسائل التواصل الحديثة، أنهم بمشاركة فيديو، أو رسالة، أو نقل معلومة مغلوطة أو ملونة أو محرفة، أنهم يقدمون أفضل خدمة للمغرضين والحاقدين، الذين يسعون لهدم مجتمع بأكمله لتحقيق أهداف معينة.
ولا يدرى من يجرى وراء السم الذى يدسونه فى أى شأن من الشئون، كارتفاع سعر سلعة معينة، أو نقص خدمة، أنه يشارك فى جريمة خطيرة فى حق نفسه وبلده، لما يمكن أن يجره هذا الاتجاه من زعزعة استقرار المجتمع، والنيل من أى كيان متماسك، وإثارة البلبلة والفتنة، وإحداث هزائم نفسية للشعوب تفقدها ثقتها فى نفسها، وهنا يتسلل الإحباط الذى يفشل معه كل شيء.
وصنع الشائعة، عملية قائمة قدم الحياة الإنسانية، وتهدف إلى التأثير على المعنويات، وتسريب الشعور باليأس من تحقيق إنجازات فى أى مجال من المجالات، مما يُحدث التفكك، ويزيد من حالة الاستقطاب والانقسام، ويشكك فى قدرة الأنظمة على مواجهة التحديات، وتقديم الحلول المناسبة فى الأوقات المناسبة.
عملية صنع الشائعات وترويجها ــ باختصار ــ جزء من حرب نفسية طويلة المدى، تهدف فى المقام الأول إلى تضليل الشعوب وتزييف وعيها، وخلط الحقائق بالأكاذيب، أو إشاعة نصف الحقيقة بعد تغليفها بأكاذيب، بهدف خبيث، ألا وهو تمكين الخوف والقلق، خاصة فى الجانب الاقتصادى والمعيشى والصحي، وهو ما يضعف الأمل فى القلوب، فيحدث الانفجار، بعد أن يكون الاحتقان وصل إلى مداه، نتيجة تسميم الفكر، ودحض العزيمة، أو بمعنى أدق تجهيز الفريسة لأول هجوم آت.
ويقع على عاتق المؤسسات الإعلامية والصحفية مسئولية كبيرة فى التوعية، وإطلاق صافرات الإنذار من خطورة الشائعات، وضرورة تدقيق المحتوى، وحظر كل ما يساعد قوى الشر على التوجيه السيئ للرأى العام، ومواكبة جهود التغييرات العالمية فى مجال الرقمنة، بعد أن زاد معدل الشائعات فى السنوات الأخيرة ــ وفقا لتقارير رسمية ــ وفق آليات حديثة تستخدم فى حروب الجيلين الرابع والخامس، واستغلال المعلومات فى التضليل، وإنهاك قوى الدولة، ولعل هذا ما تم مناقشته خلال الاجتماع الذى جمع بين المستشار محمود فوزى، وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، والمهندس عبد الصادق الشوربجى، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، والذى أكد أهمية دور الصحافة القومية فى نشر الوعى والثقافة، ومواجهة الشائعات التى يطلقها المتربصون بالدولة المصرية، وسبل التعاون والتنسيق بين وزارة المجالس النيابية والقانونية والتواصل السياسى والهيئة، واستمرار الصحافة القومية فى أداء رسالتها التثقيفية والتنويرية والدفاع عن مصالح الوطن.
ولا تحتاج الشائعة إلى وقت طويل لكى تغرق دولة فيها، بل الكرة الأرضية بأكملها، بعد المفعول السحرى للوسائل الحديثة، وقد ظهر ذلك واضحا فى «أزمة مياه الشرب» بأسوان، إذ سارع المتربصون إلى إطلاق شائعات متسارعة وخبيثة هدفها إشاعة حالة من الفوضى، واستغلال الظرف الذى قد يحدث فى أى دولة، مهما كانت درجة تقدمها، وجر وزارات الدولة وأجهزتها إلى معركة كلامية، وإبعادها عن مهمتها الأساسية، وإنهاكها فى الرد على الشائعات المتوالية، حتى وصل الأمر إلى اختلاق بيان عن شركة المياه ــ التى نفت ذلك جملة وتفصيلا ــ يحذر الناس من تناول المياه، مما دفع المركز الإعلامى لمجلس الوزراء إلى نفى صحة ما تم تداوله من رسائل صوتية على تطبيق «واتس آب» تزعم إصدار شركة المياه منشورا تحذيريا بعدم استخدام المياه لأغراض الشرب نتيجة لتلوثها بميكروب سام، مشددا على أن مياه الشرب بمحافظات الجمهورية كافة سليمة وآمنة تماما وخالية من أى ميكروبات ضارة أو ملوثات، ومطابقة للمعايير والمواصفات القياسية، ويتم مراقبتها على مدار الساعة من خلال منظومة المعامل والجودة بالشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، وشركاتها التابعة، بالإضافة إلى الدور الرقابى لجهاز تنظيم مياه الشرب وحماية المستهلك، ووزارة الصحة والسكان، مناشدة المواطنين عدم الانسياق وراء تلك المعلومات المغلوطة مع استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية، مطالبا وسائل الإعلام المختلفة ومرتادى مواقع التواصل الاجتماعى تحرى الدقة والموضوعية فى نشر الأخبار، والتواصل مع الجهات المعنية للتأكد قبل نشر معلومات لا تستند إلى أى حقائق، وتؤدى إلى إثارة الخوف والقلق بين المواطنين.
وما استوقفنى فى أزمة مياه الشرب بأسوان، الاحترافية العالية التى تعاملت بها الحكومة مع الموقف، وسرعة التجاوب مع ما أثير بعد دقائق قليلة، والاستجابة الفعالة، وتطبيق خطط الطوارئ فى التعامل مع الأزمات، والاستفادة من تجارب الأزمات السابقة، وتحديد المسئوليات والتنسيق بين كل الأطراف، والتعامل السليم مع وسائل الإعلام، لضمان وصول الرسالة الصحيحة دون تحريف أو تلوين، ليتضح للجميع أن الإدارة المصرية تم تجهيزها وتطويرها للتعامل باحترافية مع الأزمات، بما تملك من خبرات وقدرات وأدوات فعّالة.
وقد لاحظت على مدار الساعة، سرعة تقدير الموقف، وتقييم الأوضاع بشكل علمى يبعث على الاطمئنان، فقد حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى على متابعة الموقف بنفسه، موجها بضرورة التعامل السريع مع الأزمة، وتوضيح الحقيقة للمواطنين، وسارع اللواء دكتور إسماعيل كمال، محافظ أسوان، إلى الذهاب إلى قرى أبو الريش، وتناول معهم كوبا من المياه وكوبا من الشاى للتأكيد على جودة المياه فى منازلهم، والبعث برسالة طمأنينة، وكلف كل القطاعات بسرعة التفاعل ووضع الحلول الفورية والعاجلة، وعقد الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، مؤتمرا صحفيا، بحضور المهندس شريف الشربينى، وزير الإسكان، من مستشفى الصداقة بمحافظة أسوان، للإعلان عن نتيجة تحليل المعامل المركزية لوزارة الصحة، وكشف حقيقة ما تم تداوله مؤخرا بشأن الحالات المرضية فى المحافظة، عقب تفقد عدد من مستشفيات المحافظة، مؤكدا سلامة مياه الشرب فى جميع محطات المياه بأسوان من خلال أخذ عينات من عدد من المحطات لفحصه، وأن الدولة لا تخفى أى شيء فى تعاملها مع الحالات المرضية.
اليوم فى أسوان، وغدا فى أى مكان آخر، هم لن يتوقفوا عن بث سمومهم، فى أى شيء، وهنا لا يجب أن يمهد أحد لهم الطريق لتحقيق أغراضهم، ولا بد أن يلعب الإعلام دوره الطبيعى فى توضيح الجانب المضيء من الصورة التى أسدلوا عليها ستائر الظلام، وإذا كانت الحكومة نجحت فى التعامل مع كل الأزمات بتقدير امتياز، فإن على المواطنين أن يتنبهوا إلى ما يحاك لهم، وأن يتسلحوا بالوعى الذى يقيهم من شرور أعدائهم.
***
لا تحتاج الشائعة إلى وقت طويل لكى تغرق دولة فيها، بل الكرة الأرضية بأكملها، بعد المفعول السحرى للوسائل الحديثة، وقد ظهر ذلك واضحا فى «أزمة مياه الشرب» بأسوان، إذ سارع المتربصون إلى إطلاق شائعات متسارعة وخبيثة هدفها إشاعة حالة من الفوضى
[email protected]لمزيد من مقالات مـاجــــد منير يكتب رابط دائم: