فى مايو 2023 نشر البروفيسور الأمريكى ميتشو كاكو كتابا بعنوان «التفوق الكمى: كيف ستغير ثورة الكمبيوتر الكمى كل شىء». الكتاب عبارة عن الإنجاز التكنولوجى العظيم القادم والذى من المتوقع أن يحل الكثير من مشاكل البشرية مثل الاحتباس الحرارى والجوع والأمراض المستعصية، وحل الكثير من ألغاز العلم المستعصية كما توقع المؤلف، وأنه سيعزز من التقدم فى الذكاء الاصطناعى. شرح المؤلف أن ذلك الكمبيوتر سيقلب كل جوانب حياتنا اليومية، وستحدث ثورة فى الصناعة والزراعة والطب الى جانب التغيرات التى ستحدث فى تصميم وسائل النقل وتصنيعها بحيث تكون أكثر كفاءة وأمنا، كما أن هذه الكمبيوترات ستكسر كل شفرات العمليات الكيميائية المعقدة والتى ستمكنا من خلق عقارات جديدة وإنتاج الأسمدة الرخيصة وإطلاق العنان لثورة خضراء وتصنيع بطاريات فائقة تحقق الاستفادة الكاملة من الطاقة الشمسية، وأن من سيسبق فى هذه الحاسبات سيستطيع الهيمنة على مستقبل البشرية. ميكانيكا الكم هى الوسيلة الممكنة لتصنيع ذلك الكمبيوتر. هى فرع الفيزياء الذى يتعامل مع عالم الذرات والجسيمات الأصغر من الذرة الموجودة داخل المادة، ولها قوانينها التى تم استحداثها فى النصف الأول من القرن العشرين، والتى تختلف عن الفيزياء الكلاسيكية. كانت ميكانيكا الكم هى المصنعة للقنبلة الذرية وكثير من التطبيقات السلمية والحربية الأخرى. كان السبب الثانى هو ظهور بعض المشكلات المعقدة فى الكمبيوترات العادية مثل وحدات التبديل والذاكرة لأجهزة الكمبيوتر والمعروفة بالترانزستورات والتى تقترب الآن من حجم الذرة، وبالتالى فإن الأمر يقتضى عمليات حوسبة جديدة لا تستطيع أجهزة الكمبيوتر المتاحة حاليا إجراءها سواء كانت كمبيوترات تقليدية أو سوبر كمبيوترات. يشترك الكمبيوتر الكمى مع الكمبيوتر العادى، فى كثير من السمات الرئيسية للكمبيوتر العادى وهى البتات والسجلات والبوابات المنطقية والخوارزميات. بالمقارنة نجد الكمبيوتر الكمى يحتوى على بتتات كمومية أو كيوبتات، فبينما يمكن للبت تخزين صفر أو واحد فى الكمبيوتر العادى، يمكن للبت الكمومى تخزين صفر أو واحد أو صفر وواحد معا أو عدد لا نهائى من القيم بينهما، كما أنه يستطيع تخزين قيم متعددة فى الوقت نفسه. يمكن فهم ذلك من خلال مفهوم فيزياء الكم للتراكب، حيث تستخدم البتات الكمومية التراكب لتمثيل حالات متعددة (قيم رقمية متعددة) فى وقت واحد بطريقة مماثلة. تتمتع البتات الكمومية ببعض الخصائص الكمومية الغريبة التى تعنى أن مجموعة متصلة منها يمكن أن توفر قوة معالجة أكبر بكثير من نفس عدد البتات الثنائية. تعرف إحدى هذه الخصائص باسم التراكب وتُعرف الأخرى باسم التشابك. وفكرة التشابك فكرة قديمة قدم ميكانيكا الكم ذاتها. فى عام 1937، نشر ايروين شرودنجر أحد المؤسسين الأساسيين لعلم ميكانيكا الكم أن أهم فرق بين الفيزياء الكلاسيكية وميكانيكا الكم هو عملية التشابك. لم يعجب ذلك الرأى ألبرت أينشتاين ووصفه بكلمة «سبوكى» أو كما نقول فى مصر «شغل عفاريت». فسر شرودنجر أن سبب التشابك يمثل خروجا عن الفيزياء الكلاسيكية ويمكن تفسيره بواسطة نظرية المعلومات الكمومية الحديثة، وتوصل فى تفسيره إلى أنه عندما يكون هناك نظامان فيزيائيان متشابكان فإنه يمكن تحديد كتالوج المعلومات المشترك والخاص بهما بشكل أفضل، وأوضح أن سبب التشابك يمثل اختلافا جذريا عن الفيزياء الكلاسيكية. تجدر الملاحظة هنا أنه فى عام 2022 منحت جائزة نوبل فى الفيزياء لثلاثة علماء عن أبحاثهم فى ظاهرة التشابك التى هى أساس الحوسبة الكمومية وأساس نقل المعلومات. تستطيع الكمبيوترات التقليدية تخزين الأرقام فى الذاكرة وتستطيع معالجة تلك الأرقام المخزنة بعمليات حسابية بسيطة مثل الجمع والطرح إضافة الى إجراء عمليات أكثر تعقيدا من خلال ربط العمليات البسيطة تلك فى سلسلة تسمى خوارزمية. تتم تلك العمليات البسيطة باستخدام مفاتيح تسمى ترانزستورات للمفاتيح الموجودة لتشغيل وإطفاء الأضواء. يمكن أن يكون الترانزستور قيد التشغيل أو مطفأ. إذا كان قيد التشغيل فيمكننا استخدام الترانزستور لتخزين الرقم (1)، وإذا كان مطفأ فإنه يخزن الرقم (0). يمكن استخدام سلاسل طويلة من الآحاد والأصفار لتخزين أى رقم أو حرف وهكذا. المشكلة فى أجهزة الكمبيوترات التقليدية التى تعتمد على الترانزستورات التقليدية أنه كلما زادت المعلومات التى تحتاج الى تخزينها، زاد عدد الأصفار والترانزستورات المطلوبة للقيام بتلك الوظيفة. ولما كان غالبية أجهزة الكمبيوتر التقليدية لا تستطيع القيام إلا بأمر واحد فى كل مرة، كلما كانت المشكلة المطلوب حلها أكثر تعقيدا نتيجة زيادة عدد الخطوات المطلوب اتخاذها، وهو ما يستلزم وقتا أطول بكثير لحلها. إضافة الى ذلك فإنه توجد أيضا مشكلات يطلق عليها المشكلات المستعصية وهى التى تحتاج قدرات تفوق القدرات المتاحة حاليا فى الحاسبات التقليدية. يمكن تلخيص الأمر كله بأن الحوسبة الكمومية تعنى تخزين ومعالجة المعلومات باستخدام ذرات أو إلكترونات أو فوتونات فردية. غير أن عمل ذلك ليس بالأمر الهين، لأن تصميم هذا الكمبيوتر يحتاج مجهودات خارقة وإمكانيات مادية وبشرية لا تقدر عليها إلا الدول الغنية والمهتمة بالبحث العلمى الذى سيقلب الدنيا اقتصاديا وعسكريا رأسا على عقب بطريقة لم تعهدها البشرية من قبل. ومن يدرى قد يتكون ناد للحاسب الكمومى شبيها بنادى الدول المنتجة للأسلحة الذرية بعد بضع سنين، وحتما لن يسمح فيه بعدها لأحد غيرهم حتى بإجراء الأبحاث الخاصة به أو تصنيعه مثلما يحدث فى تصنيع القنبلة الذرية. من هنا فإن الوقت الآن هو لمن يفكر فى المستقبل. الأمر ليس بالسهل على حد قول ريتشارد فاينمان:«إذا كنت تعتقد أنك تفهم ميكانيكا الكم فأنت لا تفهم ميكانيكا الكم».
لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة رابط دائم: