رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

«بالكربون».. تحيا الصادرات

لابد أن تنجح مصر فى اختبار «الكربون».

المسألة حياة أو موت بالنسبة لاقتصادنا.

نستعد لهذا الاختبار منذ وقت مبكر، وهذا ما يطمئن، ولكن المهم التعامل بجدية تامة مع الموقف، وأن نكون «قدها»، والأهم «الاستمرارية».

ولكن، ما هى حكاية «الكربون» هذه؟!

تعالوا نحاول فهم الحكاية، لأنها «صعبة حبتين».

ولكن، يجب أن نفهمها، لأنها باختصار مسألة مرتبطة بـ«أكل عيشنا»، وبمستقبل بلدنا، ومتصلة اتصالا وثيقا بالعلاقات القوية التى تربطنا بصديق مهم، وأقوى تكتل سياسى واقتصادى فى العالم، وهو الاتحاد الأوروبي.

ولنحاول تبسيط الأمور قليلا:

أولا، الاتحاد الأوروبى هو أهم وأكبر شريك تجارى لمصر، حيث يمثل بمفرده نحو 25% من إجمالى حجم التبادل التجارى لمصر، ومعدلات التجارة معه ارتفعت بشكل تدريجى و«مذهل» فى السنوات القليلة الماضية، وبمساعدة اتفاقية الشراكة الموقعة بين الجانبين، ليصبح أكثر من 32 مليار يورو فى العام الماضى 2023.

ثانيا، تصدر مصر للاتحاد الأوروبى ما قيمته 11.5 مليار يورو، وهو رقم كبير، منه نحو 8.6 مليار يورو صادرات غير بترولية، معظمها من الأسمدة والكيماويات، بجانب بعض الخضراوات والفاكهة، مقابل واردات أوروبية بقيمة نحو 21 مليار يورو.

أما ثالثا، وهنا نأتى لصلب الموضوع، فقد أعلن الاتحاد الأوروبى منذ سنوات وضع آلية لتعديل «الحدود الكربونية»، تعرف اختصارا بـCBAM، بحيث تدخل هذه الآلية الجديدة حيز التنفيذ بشكل كامل فى عام 2026، بهدف إعطاء الفرصة للمصنعين والدول المصدرة للتكيف مع هذه الآلية، والتواؤم مع شروطها.

ورابعا، أوفد الاتحاد الأوروبى عددا كبيرا من مسئوليه خلال الفترة الماضية فى جولات شملت مصر ودولا أخرى صديقة، من بينها الهند وتركيا واليابان وسنغافورة، باعتبارها أبرز الدول المصدرة للاتحاد الأوروبى، بهدف التعريف بهذه الآلية الجديدة، ولتقديم المساعدة للصناعات كثيفة الانبعاثات الكربونية فى تك الدول للحد منها، وذلك من خلال التعامل مع شركات القطاع الخاص، علما بأن القطاعات المعنية والتى ستطبق عليها الآلية فى البداية تتمثل فى القطاعات الأكثر كثافة من حيث الانبعاثات، وهي: الأسمنت، والأسمدة، والحديد والصلب، والألومنيوم، والكهرباء المولدة من الوقود الأحفورى والفحم، والهيدروجين، يعنى باختصار، معظم صادرات مصر!

الجماعة (الأوروبيون) يؤكدون أن هذه الآلية ليست هدفها «العكننة» على الدول المصدرة، ولا هى وسيلة للحد من الواردات، خاصة أن الصناعات الأوروبية تقوم بالفعل على هذه القطاعات المستهدفة فى 2026، ولكن الهدف الأساسى، كما يقولون، هو الحد من الانبعاثات الناجمة عن هذه القطاعات والصناعات، وتقليل انتقالها من دولة لأخرى، أملا فى الوصول إلى الحد الصفرى فى الانبعاثات الكربونية بحلول 2050، (راجع مقررات مؤتمرات المناخ السابقة وبخاصة كوب 27- 28)، علما بأن الأمر مفتوح، وقد يشمل دخول قطاعات أخرى فى المستقبل.

باختصار، وبعبارات بسيطة، وخلال سنوات.

متوافق مع معايير CBAM؟ أهلا بصادراتك فى الاتحاد الأوروبي.

غير متوافق؟ شكرا!

طبعا، مصر تقاتل منذ فترة لكى تظل على «التراك»، وتحافظ على مستقبل صادراتها للاتحاد الأوروبى، بل وزيادتها.

قبل أيام، كان هناك لقاء بين وزير الاستثمار وسفير الاتحاد الأوروبى لوضع النقاط على الحروف فيما يخص التعاون الوثيق بين مصر وأوروبا، فى ضوء الآلية الأوروبية الجديدة، التى تشكل تحديا كبيرا للصناعة المصرية، لأنه لا بديل أمامنا سوى الوفاء بهذه الالتزامات، حتى تتواءم صادراتنا للاتحاد الأوروبى مع المعايير الخاصة بهم! ولكن، ما يطمئن حتى الآن، أن مصر قطعت شوطا كبيرا فى الوفاء بهذه الآلية، وهو ما ظهر فى مؤتمر الاستثمار المصرى الأوروبى، الذى شهد توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بـ 67.7 مليار يورو فى مجالات الهيدروجين الأخضر والسيارات الكهربائية ومشروعات النقل المستدام وخلافه.

وتبدى الدولة المصرية اهتماما كبيرا بزيادة تنافسية صادراتنا فى الأسواق الأوروبية، عبر التوسع فى الاستثمارات الخضراء، واستخدام الهيدروجين والأمونيا الخضراء فى تقنيات الصناعة، بما يسهم فى تقليل الانبعاثات الدفيئة، للحصول على «ختم» CBAM الأوروبى «الثمين»، الذى يشبه كثيرا معايير صادرات البطاطس والفراولة، وما شابه، ولكن «على كبير». ولا شك فى أن إطلاق السوق المنظمة لتداول الكربون الطوعى فى مصر يسهم فى زيادة جاذبية الاقتصاد. هذا هو «الاقتصاد الأخضر»، وهذه هى قضية المناخ، وهذا هو مصطلح «صديق» البيئة الذى كثيرا ما سمعنا عنه، واستخف بعضنا به، وأولته الدولة اهتماما مبكرا جدا.

هذا هو «الكربون» الذى سيصبح «كلمة السر»، وبطاقة المرور الذهبية لصادراتنا، ولاقتصادنا، ومستقبلنا.


لمزيد من مقالات هانى عسل

رابط دائم: