رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

أوديب فى الطائرة وتحت المظلة «2-2»

القصة الرمزية كما عرفها الدكتور مجدى وهبة فى كتابه معجم مصطلحات الأدب, بأنها قصة تحمل فى ثناياها معنى يغلب أن يكون أخلاقيا أو دينيا غير المعنى الظاهرى لها، مثال ذلك رسالة الغفران لأبى العلاء المعرى والكوميديا الإلهية لدانتي، وملكة الجان لسبنسر، وكثير من الأعمال الخالدة فى غالبية الآداب العالمية. مما لا شك فيه أن المجاز الذى استخدمه محفوظ الفيلسوف فى قصته القصيرة «تحت المظلة» قد أثر أيضا فيما كتبه محمد سلماوى الدارس والملم بالآداب الغربية والمفعمة بالرمزية. صدرت قصة «أوديب فى الطائرة» عام 2024 عن دار الكرمة, وهى تتفق مع قصة نجيب محفوظ فى الرمزية، وتختلف عنها فى أن قصة محفوظ شخصت الحالة المرضية التى أصابت جسد الأمة نتيجة الإهمال والغفلة، وبالتإلى أوصلتنا للهزيمة، بينما لم يجرحوارات بين أبطال قصته وترك للقارئ أن يفسر ويستنتج بنفسه. أما محمد سلماوى فقد أضاف إلى جانب التشخيص حوارات دائمة بين أبطال روايته جعلتنا نعيش معهم ولا تقتصر علاقتنا معهم على المشاهدة فقط كما فى تحت المظلة. كانت لدى سلماوى ممكنات لم تتح لمحفوظ, فقد مكنته دراسته التخصصية فى الأدب الإنجليزى وما يرتبط بها من دراسات الأساطير من أن يكتب عملا معقدا ومختلفا للثقافة العربية.

تقع أحداث رواية سلماوى فى اليونان وقد تكون فى أى مكان آخر، وهى تحوى ما يشبه النبوءات مثلما حدث فى بنجلاديش أخيرا. فيها يروى المؤلف بطريقة إبداعية جديدة أسطورة الملك أوديب المعروفة عن ملك طيبة واللعنة التى حلت بالبلاد بسبب جريمته حيث تدور أحداثها فى مدينة طيبة أم البلاد وأروعها وهى عاصمة القوة والمجد ومنبع الثقافة والعلوم ومركز الفلسفة والفكر وساحة الموسيقى والغناء. فيها التماثيل العملاقة وفيها المعمار الشاهق الذى لا يطاوله بناء على وجه الأرض. تقع الرواية فى 127 صفحة تضم 15 فصلا، تحكى عن ثورة طيبة وعن لعنة أصابتها وبلاء حل بها فجأة مما أدى إلى تراجع قوتها وتردى أحوالها مما نتج عنه قلاقل فى الشوارع والميادين. خلق لنا سلماوى فوضى داخل فوضى فى الزمان والمكان ورمزية مكنته من تحقيق غرضه. أهم شخصيات رواية سلماوى هى الملك أوديب الذى تولى حكم البلاد بعد لايوس والبلد على شفا حرب أهلية تهدد بفنائها وهو الذى انتصر على الفوضى والانقسام ولم الشمل فى بادئ حكمه، وأن حكمته أنقذت طيبة من مصيرها المحتوم، والجنرال ديتر رئيس أركان المملكة، وكريون رئيس الجيوش، وتبياس رئيس مجلس الشيوخ وجوكاستا زوجة أوديب وتيوباس رئيس مجلس الشيوخ وميناندر رئيس حرس القصر وحافظ الأمن العام ولوكاس وخطيبته تيا وهيباتيا فتاة طيبة. فى الفصل الأول للرواية يدور حوار بين أوديب والجنرال ديترهو بداية ما يود سلماوى لفت نظرنا إلى غرضه من الرواية بهذه الصورة عندما سأله أوديب عقب صعوده للطائرة لتنفيذ أوامر القيادة العليا الصارمة له بضرورة صعوده للطائرة، وإجبار أوديب الذى يرفض النزول على النزول، ثم إيداعه السجن فورا لتنفيذ نبوءة زيوس المقدسة التى نطقت باسمه بشكل لا لبس فيه، ثم إن أجهزة الإعلام المحلية والدولية أذاعت حكم النبوءة على الملأ. كان رد أوديب: اسمع أيها الجنرال، لقد بذلت عمرى فى خدمة هذا البلد، فى الحرب وفى السلم، وحين حلت الكارثة وألبوا الناس على بسبب الطاعون الذى لم أتسبب فيه، رفضت أن أترك طيبة وأهرب للخارج. هذا بلدى الذى ولدت به، وأخلصت فى خدمته منذ أن عدت إليه بعد طول غياب. لقد رفضت دعوات الاستضافة التى جاءتنى من ملوك العالم وحكامه، ولم أفعل هذا لينتهى بى الأمر فى السجن كالمجرمين. إن من رتبوا لى الهروب بالأمس هم الذين يريدون سجنى اليوم، فقل لهم إنى كما رفضت الهرب بالأمس فإنى أرفض السجن اليوم. لن يكتب التاريخ أن أوديب العظيم الذى يهابه الجميع ولا يهاب أحدا، أنهى حياته مسجونا كاللصوص وقطاع الطرق. هنا يطلق لنا محمد سلماوى العنان لنفسر رموزه. فى الفصل الثالث يتناول سلماوى الحالة المتدهورة لطيبة وانتشار الفساد بها، وكيف أنه خلال ثلاثة عقود من الزمان حل كل هذا الدمار. يقول سلماوي: «كان بترو يعانى كما يعانى بقية شباب طيبة من البطالة التى استشرت فى البلاد فى الوقت الذى أخذ المقربون من الحكم ودوائره يكنزون الأموال بلا خجل ولا حياء، تخرج بترو من المعهد العالى للسينما بتفوق وتطلع إلى أن يعين معيدا بالمعهد غير أن الوظيفة كانت محجوزة فى سنة تخرجه لزميله فى قسم الديكور لأنه ابن عميد المعهد، ذلك أن المحسوبية والوساطة كانت هى القاعدة فى كل مكان بطيبة». فى الفصل السادس يشرح سلماوى زيارة وفد الشيوخ لأوديب، ومطالبته بالتنازل عن العرش، وأن الأمور وصلت إلى نقطة اللاعودة، وأن المظاهرات والشارع لن يهدأ إلا إذا استجبنا إلى مطالبه وأهمها تنازله عن العرش، وهو ما حدث بالفعل. فى الفصل السابع كتب سلماوى: «تعالت الهتافات المعادية حتى صمت الآذان وخرج رئيس الأركان ليعلن على الناس أن أوديب قد ترك الحكم إلى حين إعلان النبوءة». فى الفصل العاشر تم إعلان أن أوديب هو سبب الطاعون الذى حل بالبلاد، وأنه هو الذى قتل والده وتزوج أمه، وبذلك أثار غضب الآلهة فحلت اللعنة.

اختتم سلماوى روايته بنهاية المأساة: « أرسل رئيس الأركان التمام للقيادة العامة، وأخبرهم بأن الأوامر نفذت، وأنه أغلق بنفسه على أوديب باب الزنزانة؟. وبعد بضعة أيام فارق أوديب الحياة.


لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة

رابط دائم: