حديث اليوم ليس عن استعدادات الأٌسر للعام الدراسى الجديد، حيث تطلب بعض المدارس من التلاميذ عددا من الأشياء، لا علاقة لها بالتعلم، ولا عن الحقيبة التى يحملها التلاميذ و نوعها و جودتها، ولا أيضا عن الزى المدرسى و ما شابه.
لكن حديث اليوم عن طلاب أنهوا مرحلة الثانوية العامة، وعلى وشك بدء عام جامعي، هو الأول فى حياتهم، يملأ قلوبهم الأمل فى تحقيق ذاتهم، وسبب الحديث هو ما سمعته من حوار كان يدور بين بعض الطلاب فى كليات جامعية نظرية وعملية، وكل منهم يروى أغرب وأفضل ما حدث معه حتى اللحظة.
الأول، يحكى عن أستاذ جامعى فى كلية عملية، يعطى محاضرته فى أحد أبنيتها، فى موعد محدد، قبل محاضرته، محاضرة لزميل له فى بناية تبعد عن مقر المحاضرة تقريبا 3 دقائق ركضاً، نعم ركضاً، وقد أعطى تعليماته لطلابه، أنه ممنوع التأخير، ومن يتأخر سيحرم من دخول المحاضرة، وهو على يقين بما ذكرت، وحينما نبهه طلابه لتلك المعضلة البسيطة، كانت إجابته صادمة، هذا أمر لا يخصني!! وعندما سألت الطالب، لماذا يفعل ذلك؟ أجاب بأنه لا يعرف، ولكنه يتعجب من لهث و ركض زملائه للحاق بمحاضرته، قد يبدو الأمر بسيطا، على اعتبار من طلب العلا سهر الليالي، وبعض من الركض لا يضير، أوافق، ولكن دوام الركض يضير، لأنه يلحق بالطالب ألما نفسيا، بكل تأكيد هو فى غنى عنه، ويثبت أن الأستاذ لا يعنيه أمر الطالب من قريب أو من بعيد.
طالب آخر، قال إن أحد أساتذته، يعلن بكل أريحية، أن نسبة النجاح فى مادته صغيرة جدا، وأنه لا يًعقل أن ترتفع فهو متميز و النجاح فى مادته، النجاح فقط يعنى أن الطالب متميز، أما الحصول على تقدير فذلك قمة التميز. فهل هذا معقول؟
عدد من الطلاب من قبل الدخول للامتحان، كلهم ثقة بأن النجاح صعب للغاية، ومنهم من سكنت نفسه أحاسيس الفشل دون أى داع على الإطلاق سوى أن الأستاذ خلق لنفسه هالة أراها سيئة. وفى وسط هذا حكى أحدهم عن معيد اسمه هشام كان يتعامل معه بحدة غير مفهومة، ففى إحدى المرات نظر إليه المعيد و المحاضرة فى أوجها، وقال له أنت اليوم غير مسجل حضورا، ولما سأله الطالب لماذا؟ كان رد المعيد «هو كده» رغم أن فارق العمر بينهما قليل للغاية، وبدلا من أن يكون التعامل بينهما، تعامل الأخ الكبير مع الصغير، كان التعامل بتلك الطريقة المستفزة. ثم قال لى الطالب إنه تسبب فى حرمانه من بعض درجات أعمال السنة، وأنه «الطالب» قرر أن يتحاشى التعامل معه قدر الإمكان!.
وهنا أقترح قبل تعيين المعيدين عمل دورات تدريبية لتهيئتهم للعمل وفق مقتضيات الوظيفة، فهم نواة التعليم الجامعي، وكلما كانوا على قدر المسئولية، كان الناتج مبهرا. فى المقابل، شكر أحد الطلاب فى عميد إحدى الكليات العلمية المهمة، حينما تواصل معه بشأن مشكلة واجهته، وكان رده ودودا، وكان وجهه بشوشا، و لم يٌشعر الطالب بما يجعله لا يكرر اللجوء إليه مرة أخري، ولو علم العمداء، ما تفعله بشاشة التعامل مع الطلاب، لكان ذلك نهجا يسيرون عليه. والتقط طالب آخر طرف الحوار، وتحدث عن أحد الأساتذة بكل حب و تقدير، لدرجة جعلتنى أحبه دون أن أراه أو أتعامل معه، لتواضعه الجم، لدرجة أنه يقول إن محاضرته تكون مكتظة بالطلاب، لأسلوبه الممتع فى الشرح. ولو قارنا بينه و بين النموذج الأول من الأساتذة، الذى يذهب إليه الطلاب خوفا من أخذ الغياب، لعلم قيمة العلم و مكانته، ولوضع اسمه فى سجلات الكبار من الأساتذة الأجلاء.
كنت فى عام 1996 فى زيارة لجامعة جلاسكو، وهى من أقدم جامعات اسكتلندا، و فى العالم أيضا، وتأسست عام 1451 ميلادية، أثناء الزيارة ونحن نتبادل التعارف، قام أحد الأساتذة، وقال لى أنتم عندكم جامعة الأزهر، وهى أقدم من جامعتنا بـ 500 عام تقريبا، وكان يتحدث عنها بفخر كبير، وهو ما انتقل لي، وشعرت وقتها بقيمة الجامعة و رونقها. وتذكرت أساتذتى العظام. بارك الله فى الأحياء، ورحم الأموات منهم. إننا نملك عددا من الجامعات، بين الأقدم والأحدث فى العالم، تمتلك التنوع والجودة، فعندنا أقدم كلية هندسة فى الشرق الأوسط وإفريقيا «المهندس خانة» هندسة القاهرة، التى تم تأسيسها عام 1816. وكذلك أقدم كلية طب فى إفريقيا كلية طب قصر العينى وتأسست عام 1837. ومنذ نشأتهما و حتى الآن، تخرجت أجيال صنعت تاريخا متميزا، وبات هناك أعداد أكبر من كليات الهندسة والطب وغيرهما من الكليات فى عشرات الجامعات المصرية.
على مر التاريخ، هناك عباقرة صنعوا تاريخا علميا مبهرا، كانوا سببا فى تحقيق طفرات أدت لما نحن وصلنا إليه الآن، وحققوا مجدا لم يصل إليه أحد فى جميع العلوم، لو بدأت فى سرد من صنعوا المجد على مر التاريخ فسيتسع المقام لعدد كبير من العلماء، منهم المصرى العالم د.أحمد زويل، المقربون منه كانوا يصفونه بالتواضع، وهذه من أهم صفات العلماء، الثقة بالنفس تؤدى إلى التواضع، والتواضع يؤدى إلى حب الناس. لذلك أتعجب من بعض الأساتذة الذين يتفنون فى أن يجنوا الضغينة بدلا من الحب.
[email protected]لمزيد من مقالات عماد رحيم رابط دائم: