أخشى ضجيجًا بلا طحن، الضجيج الحادث حول ترتيبات الثانوية الجديدة، منشغلون بتخفيف الأحمال عن طلاب الثانوية، ولا يشغلهم اختطاف العملية التعليمية برمتها، وخشيتى لها أسباب.. لا تفارق ذاكرتى صورة طيب الذكر المرحوم الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر، منفعلا، وهو يعنف طالبة منتقبة، ويجبرها على خلع نقابها، فى أثناء جولته التفقدية لمعاهد الأزهر (أكتوبر 2009) معلنا عزمه على إصدار قرار رسمى بمنع دخول المنتقبات معاهد الأزهر. واشتعلت الأرض من تحت أقدام الإمام الأكبر، وتجسد أمام ناظرينا مخطط اختطاف ممنهج للعملية التعليمية من قبل جماعات من خارج رحم الدولة، فى عملية استلاب ممنهجة لا تزال تعوق مدنية التعليم، بقيمه الراسخة فى تحرير العقل لإدراك قيم الحق والعدل والمساواة.
عملية استلاب ممنهجة حرفت العملية التعليمية عن أهدافها التربوية التى تعنى بتشرب قيم الحرية الفكرية، وحجبت العملية التعليمية عن أهدافها، لنقل عوقتها عن الثورة المعلوماتية، وتغير مفاهيم الزمان والمكان.. ثورة الإمام الأكبر طنطاوي، كانت فى سياق التعليم الأزهري، ما بالك بمخطط الاختطاف فى التعليم العام (الحكومي)، والاستلاب لـ (الهوية) فى التعليم الخاص (الأجنبي).. خريطة التعليم المصرى شديدة الارتباك والتعقيد، صحيح هناك منهج رسمى ملتزمون جميعا به شكليا أمام وزارة التربية والتعليم، ولكن المناهج الخفية، المستبطنة فى حجرات الدرس، والحفظ والتلقين، فلكل فريق مناهجه الخاصة، وأفكاره الخاصة التى تتسرب من خلال المعلمين (المنتسبين إلى هذه الجماعات) إلى الطلاب.. المؤسسات التربوية مسئولة عن إعداد وتهيئة جيل له القدرة على استيعاب تحديات العصر وتطوراته وكيفية التعامل معها، وقيادة التغيير نحو التقدم والنماء، وتمكين أمتنا المصرية من أخذ دورها فى القرن الحادى والعشرين .
والحقيقة التى لا يمكن إنكارها أن التعليم يعانى سواء كان ذلك فى إمكاناته أو مناهجه أو سياساته، وربما فى جميع هذه العناصر مجتمعة، مثلا، تُعَدّ المواطنة بمنزلة الوجه الديمقراطى للانتماء، بحيث لا يتحوّل إلى انتماء شوفينى يدفع بالوطن إلى مواجهات مدمرة أو إلى انتماء طائفي. مستوجب تعليم أبنائنا الانتماء ثم نعلمهم المواطنة، فلا أحد يولد منتميا ومؤمنا بقيم العدل والمساواة بل يكتسب كل ذلك من خلال التنشئة الاجتماعية. ومن هنا تأتى أهمية المؤسسة التعليمية التى يمكن من خلالها أن نشكل وجدان الطلاب، من خلال تدريبهم على المواثيق التى تتضمن حقوق الإنسان، وتنمية وعيهم لحقوقهم فى الحياة والحرية وعدم التمييز بين البشر على أساس اللون أو العرق أو النوع أو العقيدة الدينية أو المذهب السياسي.
وإذا كان الأزهر فى الحالة المصرية يبدو ظاهريا مهيمنا على معاهده وجامعاته، فإن الاختراقات التى حدثت للمؤسسة الأزهرية التربوية (معاهد وجامعات) خلال العقود الأخيرة من قبل تيارات إخوانية وسلفية خلخلت القبضة الأزهرية، فصارت بعضا من كل، المعاهد والجامعات الأزهرية تنطق بالسلفية وتخاصم المدنية، رغم المجهودات فى السنوات الأخيرة من قبل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب للخلاص من ربقة هذه التيارات التى تناهض المواطنة قيما وسلوكا..
التعليم الحكومى أيضا، نسقه وبناؤه التنظيمي، قائم على الحفظ والتلقين، والسعى مطلوب لتحرير المدارس والتلاميذ من هيمنة المنهج التعليمي، وتأكيد حرية الطلاب فى اختيار المواد الدراسية والأنشطة، وتنظيم قدراتهم بأنفسهم، وفتح قنوات بين المدارس والمجتمع، وإدخال مفاهيم وأنشطة ترتبط بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتربية المدنية.. جد مستوجب. الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم سابقا، حاول قبل خروجه من الوزارة تطبيق النموذج، ولكنه تعثر فى مواجهة الإرث المجتمعى القائم على الحفظ والتلقين، وما يستتبعه من أمراض تربوية مزمنة كالغش الجماعى والدروس الخصوصية. خرج «شوقى مهزوما فى معركة عصرنة التعليم.. فهل ينجح الوزير المتحمس الأستاذ محمد عبداللطيف فيما أخفق سابقوه؟!.
لمزيد من مقالات حمدى رزق رابط دائم: