نريد أن نعرف ما الذى يحدث بالضبط.
فى هذا المكان، يوم 9 يوليو الماضي، وتحت عنوان «أرجوك وفر لى هذا الدواء»، كان الحديث عن مشكلة «نواقص» الأدوية.
وفى اليوم نفسه، وبالمصادفة، تناول رئيس مجلس الوزراء فى مؤتمر صحفى ملف نواقص الأدوية، وخطة الحكومة لمواجهة الأزمة، مؤكدا أنه سيتم الانتهاء من مشكلة نقص الأدوية خلال «أسابيع قليلة»، بعد حل مشكلة نقص الموارد الدولارية لدى الدولة.
وبتاريخ 14 يوليو، عقد رئيس مجلس الوزراء اجتماعا آخر لمتابعة جهود توفير الأدوية، وكيفية التعامل مع مشكلة «النواقص»، وقيل أيضا إن المشكلة ستنتهى «خلال الأسابيع المقبلة»، وأن الأزمة بدأت تنفرج.
وبتاريخ 8 أغسطس، عقد رئيس الوزراء اجتماعا فى العلمين لاستعراض الجهود التى تبذلها الحكومة ومختلف الجهات المعنية بالدولة لتوفير «نواقص» الأدوية، وتحدث عن وجود «توجيهات مستمرة» بأن يكون هذا الأمر على رأس أولويات الحكومة.
وبعد هذا الاجتماع، صرح المتحدث باسم مجلس الوزراء بأنه تم خلاله التأكيد على أنه سيتم توفير سبعة مليارات جنيه لحل الأزمة.
وبتاريخ 30 أغسطس الماضي، جددت الحكومة تعهدها بحل أزمة نواقص الأدوية، وصرح رئيس مجلس الوزراء بأنه تم تخصيص عشرة مليارات جنيه حتى الآن لحل أزمة الدواء.
ومرت أسابيع وأسابيع، وانتقلنا من يوليو إلى أغسطس، ثم إلى سبتمبر، وها نحن على أبواب أكتوبر، والأزمة على أرض الواقع لا تزال مستمرة.
الحكومة، والحق يقال، تبذل قصارى جهدها لتوفير عدد كبير من «النواقص» ذات الأولوية عبر صيدليات «الإسعاف»، بمساعدة منظومة الخط الساخن الذى يوجه المواطنين لأقرب الصيدليات التى يتوافر بها الدواء المطلوب، ولكن «برضه» لا تزال الأمور بعيدة عن الحل، بدليل تلك الطوابير الممتدة أمام صيدلية إسعاف القاهرة، التى باتت مشهدا يوميا شديد الكآبة، خاصة أنها المنفذ الوحيد لأنواع محددة من الأدوية الناقصة.
قبل يومين، طالعتنا الصحف ووسائل الإعلام بتصريحات صادرة عن غرفة صناعة الدواء تقول إن سوق الدواء فى مصر مستقرة بنسبة 80%، وأن أزمة نواقص الأدوية لا تتعدى نسبتها 20%، وستنتهى بنهاية العام الحالي، أى بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من الآن.
وحقيقة، لا أعرف معنى كلمة «مستقرة» هنا، وما الذى تعنيه بالضبط، كما لا أعرف أيضا كيف تم حساب نسبة 80% وعلاقتها بالـ20% الأخري، ولا ماذا تعنيان، خاصة أن أى مواطن عادى يمكنه بكل سهولة أن يستشف تصاعد الأزمة لا تراجعها، من خلال طابور صيدلية الإسعاف الذى يتزايد أعداد الواقفين فيه يوما بعد آخر، بل إن الوضع فيه صار أكثر صعوبة منذ كتابة المقال السابق فى 9 يوليو مقارنة بالآن، ونحن فى النصف الثانى من سبتمبر، حتى فى أيام الجمع والعطلات الرسمية!
معلوماتى أن الأزمة بالفعل شهدت انفراجة، بعد حل مشكلة السيولة الأجنبية، والمصانع بدأت تعمل بكامل طاقتها، وقرأت تصريحا من غرفة الدواء يؤكد أنه «لا يوجد ارتباط الآن بين ارتفاع سعر الدولار ونقص الأدوية».
.. طيب أين المشكلة؟
المشكلة أن هناك اتجاها لوضع آلية لإعادة التسعير.
وبصورة أوضح، يقول محمد البهى عضو هيئة مكتب اتحاد الصناعات وغرفة صناعة الأدوية إن مشكلة النواقص الآن سببها وجود 28 ألف دواء مصرى مسجل، الكثير منها كان قد تم تسعيره عندما كان سعر صرف الدولار ثمانية جنيهات، ولكن لأن الشركات المنتجة باتت تخسر، فقد توقفت عن الإنتاج، لتظهر أزمة النواقص، ولهذا تدخل رئيس الوزراء، وأمر بتشكيل لجنة من هيئة الدواء لمراجعة الأسعار طبقا للتكلفة وتاريخ التسجيل.
باختصار، الدواء الذى يسجل خسائر، يعاد تسعيره.
هذا مفهوم .. ولكن، ألا يمكن أن يحدث ذلك بسرعة؟
«يا جماعة»، نحن لا نتحدث عن سلعة، بل عن دواء.
ولا نتحدث عن كيس سكر أو زجاجة زيت أو كيلو بانيه، ولكن عن منتج «حياة أو موت».
فما أحوج مرضى السكر والقلب والمخ والأعصاب والضغط والقولون إلى من يوفر لهم الدواء «الآن»، لا بعد أسابيع أو أشهر، وبسهولة، لا بالوقوف فى طوابير لساعات.
أى حلول لأزمة الدواء يجب أن تكون حلولا قصيرة المدي، مع تزامن ذلك، بالتأكيد، مع الحلول البعيدة المدي، لتوطين صناعة الدواء، والذى منه، فمن يبحث عن «أنسولين» اليوم أو غدا، لن يهتم مطلقا بالحديث عن خطة لتوفيره بعد خمس سنوات!
والمثل يقول : «أحينى اليوم، وأمتنى غدا»!
هل وصلت الرسالة؟
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: