كانت لحظة «عصاري» فى القاهرة.
كان الخريف «غاضبا»، والناس «تغلي»، تحت وطأة مشاهد الانتفاضة الثانية، من اقتحام شارون للأقصي، إلى لقطة «محمد الدرة».
على شاشات التليفزيون الضخمة فى صالة تحرير «الأهرام»، كانت «سى إن إن» تبث خبرا عاجلا عن اختطاف طائرة ركاب أمريكية.
بدا الخبر تقليديا، ومعتادا، رغم أهميته، فما أكثر حوادث اختطاف الطائرات فى عصرنا.
كان لابد من أن ننتظر Wait and See، فلم يكن هناك وقتها لا فيسبوك ولا تويتر ولا مواقع إلكترونية تنقل الأخبار فى لحظتها.
ولكن، لم تكد تمضى دقائق، حتى أخذت الأحداث تتلاحق بصورة هستيرية.
«سى إن إن» تمتلئ بعبارات Breaking News دون توقف، وماكينات «التيكرز» تصرخ، بالمعنى الحرفى للكلمة.
«سى إن إن» تعلن فى خبر تلو آخر عن تعرض أمريكا لعمل إرهابى ضخم.
وكالات الأنباء لا تتوقف عن إصدار «صفارتها» التقليدية المنزعجة التى تعلن عن خبرا عاجلا، لتنبه أن هناك «مجموعة» أخبار عاجلة.
الأمر لا يتعلق بطائرة مخطوفة، بل طائرات، واصطدام طائرتين ببرج مركز التجارة فى نيويورك، ثم هجوم على مقر البنتاجون فى واشنطن، إنه هجوم أشبه بحرب على الأراضى الأمريكية، يفوق ما حدث فى بيرل هاربور.
مشاهد لمواطنين أمريكيين مذعورين، ووجوههم غارقة فى الدماء.
لقطة لجورج بوش الابن وهو مذعور، وفى حالة يرثى لها، لدى إبلاغه خلال زيارته لمدرسة بأن أمريكا تتعرض لهجوم، قبل أن يتم نقله لمكان آمن لحمايته.
الأحداث تتوالى عاصفة، وتظل «عاصفة» لسنوات تالية، بعد غزو العراق وأفغانستان، و«من ليس معنا فهو علينا».
كانت الهجمات فى ظاهرها نصرة للمسلمين والأقصي، وفقا لبيانات «القاعدة»، ولكنها فى داخلها كانت تهدف إلى «كسر أنف» أمريكا، وتصفية حسابات، وأشياء أخري، أهمها إيجاد مبرر لغزو أمريكى لدول «مطلوبة» فى المنطقة، ثم تمهيد الأرض تدريجيا لنشر أفكار التغيير والديمقراطية «والذى منه» فى دول العالم العربى والإسلامى الرئيسية، فيما عرف لاحقا بـ«الربيع العربي»، الذى لم تنج منه سوى مصر، ومن رحم ربي.
قبل هجمات سبتمبر، كانت شعوب العالم منبهرة بنموذج القوة الأمريكية الخارقة، القادرة على حماية الكوكب، ونصرة الضعفاء والمهمشين فى كل مكان.
لم نكن نشاهد سوى أفلام رامبو وكوماندو وسبايدر مان.
وكانت توليفة «هوليوود» المعتادة فى كل الأفلام تقريبا، البطل الأبيض الخارق المغوار، و«السنيد» الأسود «أبو دم خفيف»، و«اللاتينو» الشهم، واليهودى العبقرى القادر على إيجاد حلول لكل موقف.
وكان المعتدون الأشرار إما العربى المسلم، أو الآسيوى الشرير، أو الروسى المتوحش.
ولكن، بعد هجمات سبتمبر، توارت هذه النماذج، بعد أن ثبت فشلها، وسأل الأمريكيون: «لماذا لم يمنع جريندايزر وروكى هجمات أولئك المجهولين المختبئين فى كهوف تورا بورا»؟
واليوم، ونحن فى ذكرى هجمات سبتمبر الـ23، لا تزال «استمالات التخويف»، الأكثر شيوعا فى أمريكا، لكونها أكثر تأثيرا فى عقلية ونفسية المواطن هناك، الذى لا يعنيه من يحكم، ولا تعنيه فلسطين ولا إسرائيل ولا الشرق الأوسط، بقدر ما يعنيه أن يعيش آمنا فى بلده، لديه فرصة عمل، ويتقاضى ما يكفيه للسكن والطعام.
فى انتخابات الرئاسة، «التخويف» هو الأكثر فاعلية.
التخويف من الحرب، من الإرهاب، من انعدام الأمن والوظائف، بدليل أن ترامب وكامالا هاريس استدعيا ذكرى هجمات سبتمبر بقوة فى الحملات الانتخابية، لتزامنها مع المناظرة الأولى بينهما، وتسابقا لالتقاط الصور فى «جراوند زيرو» بنيويورك، ومعهما بايدن أيضا، بل وتسارع كل منهما لـ«تخويف» الأمريكيين من الآخر.
ترامب الذى يتعهد بإنهاء حرب أوكرانيا، حذر من أن كامالا ستقود العالم إلى حرب عالمية ثالثة نووية.
وهاريس أكدت أن أمريكا ستعود للوراء بسبب ترامب و«مشروع 2025» الرجعي.
الجميع يفرض الخوف، رغم أننا، ونحن فى 11 سبتمبر 2024، تغير كل شيء، فلم يعد هناك إرهاب، ولا «قاعدة»، ولا «تورا بورا».
القلق الآن يأتى من أمريكا نفسها!
أمريكا من الداخل، حالها من سيئ إلى أسوأ.
بايدن أسوأ من بوش بمراحل.
ترامب وهاريس، كلاهما أسوأ من الآخر.
كل منهما يصف الثانى بأنه خطر على العالم!
انتخابات يخشى من نزاهتها، وعواقبها.
روسيا فائزة دائما.
صين مكتسحة اقتصاديا.
أوروبا تبتعد.
إيران نووية.
الشيء الوحيد الذى لم يتغير فى أمريكا فى 23 سنة هو دعم واشنطن الأعمى لإسرائيل، والذى يراه معظم الأمريكيين أنفسهم أمرا «مخزيا»، ويعرض بلادهم لأخطار جديدة.
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: