اكتسبت زيارة الرئيس السيسى لتركيا ولقاؤه مع الرئيس أردوغان مؤخرا أهمية خاصة، سواء من حيث التوقيت أو من حيث القضايا التى تم بحثها خلال الزيارة وأيضا لأهمية الدولتين مصر وتركيا فى الإقليم، فمن حيث التوقيت جاءت الزيارة فى فترة تزداد فيها التوترات فى منطقة الشرق الأوسط سواء من خلال الحشود العسكرية البحرية فى المنطقة واستمرارية الهجمة الشرسة التى تقوم بها إسرائيل على قطاع غزة، وما ترتكبه من جرائم حرب ضد المدنيين العزل، وبالمخالفة للقوانين الدولية ولكافة الضوابط والمسئوليات التى يفترض أن تلتزم بها سلطات الاحتلال فى تعاملها مع المدنيين فى المناطق التى تسيطر عليها، كما ترتكب إسرائيل سياسات الحصار والتجويع وإعاقة إدخال المساعدات الإنسانية، وأدت الأزمة المتصاعدة فى غزة إلى إثارة مزيد من الأزمات والتوترات فى الإقليم حيث شهدت الفترة السابقة تبادل الضربات بين إيران وإسرائيل، وأيضا ضربات متبادلة بين إسرائيل وحزب الله بطريقة مستمرة، إضافة إلى ضربات مع الحوثيين فى اليمن وغارات عسكرية بمشاركة الولايات المتحدة على اليمن، إضافة إلى تهديد الملاحة فى منطقة البحر الأحمر مما أثر على التجارة الدولية والاقتصاد العالمى بطريقة سلبية. كما شهدت المنطقة أيضا ما يشبه الحرب بالوكالة فى فترة سابقة بين الولايات المتحدة والأذرع الإيرانية فى المنطقة، مما يهدد باحتمال اتساع نطاق التوتر فى المنطقة بشكل خطير وأن تنغمس أطراف اخرى فى النزاع نتيجة لاستمرار الهجمة الإسرائيلية غير المسبوقة على قطاع غزة وما ترتب عليها من نتائج، ونتيجة لذلك فإن للزيارة التى قام بها الرئيس السيسى إلى تركيا أهمية كبيرة من حيث التوقيت، كما أن للزيارة أيضا أهميتها من حيث العلاقات المصرية التركية، ومن حيث القضايا التى بحثت فى هذه الزيارة.
فبالنسبة للعلاقات المصرية التركية فإن هذه الزيارة جاءت فى إطار دبلوماسية القمة أو الدبلوماسية الرئاسية والتى يترتب عليها العديد من النتائج المهمة، حيث بدأت العلاقات المصرية التركية تشهد انفراجة نسبية منذ عام 2021 بصفة خاصة عقب مصافحة تمت بين الرئيسين السيسى وأردوغان على هامش أوليمبياد كرة القدم الذى عقد فى قطر فى عام 2022، ثم حدثت لقاءات بين الرئيسين على هامش مناسبات دولية أخرى مثل قمة العشرين، واتخذت بعض الخطوات على المستوى السياسى والدبلوماسى، وكان أهمها إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين إلى مستوى السفراء، ثم الزيارة الرسمية التى قام بها الرئيس التركى لمصر فى فبراير 2023، ثم جاءت هذه الزيارة الرئاسية لتركيا تتويجا لهذه الاتجاهات التى تهدف إلى إعادة العلاقات المصرية التركية إلى طبيعتها.
واكتسبت هذه الزيارة لتركيا أهميتها نظرا لطبيعة وتعددية القضايا التى تم بحثها والتى تندرج فى نوعين من المستويات هما مستوى العلاقات الثنائية أى العلاقات بين مصر وتركيا، والمستوى الثانى هو القضايا ذات الاهتمام المشترك، ويقصد بذلك القضايا الإقليمية والتى تهم وتؤثر على الدولتين، فمن حيث العلاقات الثنائية يقصد بذلك تدعيم العلاقات المصرية التركية على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية والتنموية، و لذلك فقد صاحب السيد الرئيس فى هذه الزيارة وفد رفيع المستوى مكون من وزراء ورجال أعمال، وتم تبادل الآراء مع نظرائهم الأتراك وتوقيع العديد من الاتفاقات وبروتوكولات التعاون بين الجانبين فى مجالات الاقتصاد، والإستثمار والتبادل التجارى والمشروعات المشتركة، إضافة إلى تدشين اللقاء الأول لمجلس التعاون الإستراتيجى، وتدعيم التعاون فى المجالات الدفاعية، والتعليمية، والثقافية ومجالات الطاقة والغاز.
واكتسبت هذه الزيارة أهمية أيضا من حيث القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك والتى تشغل اهتمام الدولتين مثل تطورات الأوضاع فى ليبيا، والسودان، والصومال، والأزمة المشتعلة فى غزة وسوريا، وبحث الأوضاع فى شرق البحر المتوسط، وأكد الرئيسان استمرارية التشاور والتنسيق بينهما فى مختلف القضايا الإقليمية والدولية، والعمل على اتخاذ موقف مشترك بالنسبة لمختلف القضايا والتطورات فى منطقة الشرق الأوسط، وما تتعرض له من توترات وتداعيات. ويمكن القول إن مصر وتركيا باعتبارهما دولتين اقليميتين مؤثرتين فى المنطقة توجد بينهما العديد من عوامل التقارب والتشابه من الجوانب التاريخية والحضارية والتى تعكس الروابط الوثيقة بين الدولتين عبر فترة زمنية ممتدة ونتوقع أن يكون لهذا اللقاء على مستوى القمة آثاره الإيجابية فى المستقبل المنظور على مختلف المستويات الاقتصادية والتجارية والسياحية والتنموية وبما يحقق مصلحة الشعبين فى عالم يتسم بالتحديات والاضطرابات.
أستاذ العلوم السياسية
جامعة القاهرة
لمزيد من مقالات د. إكرام بدر الدين رابط دائم: