عقد مؤتمر الحزب الجمهورى فى مدينة ميلواكى بولاية ويسكونسن فى الفترة من 15-18 يوليو الماضى, وعقد مؤتمر الحزب الديمقراطى بعدها بشهر فى مدينة شيكاغو بولاية إلينوى فى الفترة من 19-22 أغسطس. تمت الموافقة فى كلا المؤتمرين على التوصيات التى تمثل الخطة الإستراتيجية لكل حزب وهو ما يعرف ببرنامج عمل كل حزب. القراءة المتأنية لكل من البرنامجين توضح أنهما يختلفان فى كل قضايا الداخل والخارج ولا يتفقان إلا فيما يخص إسرائيل والمبالغة لنيل رضاها ودعمها عسكريا واقتصاديا. كان برنامج الحزب الديمقراطى قاسيا على الفلسطينيين ورحيما بإسرائيل وهو برنامج الرئيس بايدن وليس برنامج كامالا هاريس, وهو الأمر الذى أرادته اللجنة المسئولة عن المؤتمر ليكون توديعا للرئيس الذى وصف نفسه بأنه صهيونى وما حققه فى فترة حكمه. بالنسبة لإسرئيل كان واضحا أن كامالا هاريس ونائبها يعتزمان الحفاظ على التزام الرئيس بايدن بأمن إسرائيل.
تم ذكر اسم إسرائيل 29 مرة فى وثيقة البرنامج الانتخابى للحزب الديمقراطى وتصويرها كضحية، وتصوير حماس وإيران بالمقارنة بالإرهابيين كوحوش فى مواجهتهما. بالمقارنة مع برنامج الحزب الجمهورى, نجد أنه حوى دعما لإسرائيل أقل بكثير مما حوى برنامج الحزب الديمقراطى من مديح ومبالغات فجة حيث لم يذكر فيه غير أن الحزب الجمهورى يدين معاداة السامية ويدعم إلغاء تأشيرات الأجانب الذين يدعمون الإرهاب والجهاد، وأنه ستتم محاسبة أولئك الذين يرتكبون أعمال عنف ضد الشعب اليهودى. بالمقارنة جاء فى برنامج الحزب الديمقراطى قولا مطولا منه: «إن الرئيس بايدن يعمل على سلام دائم فى الشرق الأوسط مدعوما بالتكامل الإقليمى وتحالف قوى لمواجهة إيران وردعها ومنعها ووكلائها الإرهابيين من تهديد أمن المنطقة. لهذه الأسباب سعت جماعة حماس الإرهابية إلى تدمير أهداف هذه الرؤية فى اعتداء السابع من أكتوبر 2023, ولكنها لن تنجح فى مسعاها. من أجل ذلك تدعم الولايات المتحدة إسرائيل بقوة فى الحرب ضد حماس». وفى سبتمبر 2023, أعلن الرئيس بايدن عن إنشاء ممر اقتصادى جديد لربط الهند بأوروبا عبر إسرائيل كدليل ملموس على عملية التطبيع كما ساعد الرئيس بايدن فى عملية التفاوض لتحليق الطائرات المدنية الإسرائيلية فى المجال الجوى السعودى، وهو الأمر الذى سيؤدى إلى شرق أوسط أكثر تكاملا وترابطا اقتصاديا. إضافة إلى ذلك قاد الرئيس بايدن تحالفا دوليا غير مسبوق عندما أطلقت إيران أكثر من 300 صاروخ وطائرة بدون طيار, وتم إحباط ذلك الهجوم وحماية إسرائيل من آثاره, مما يدل على التزام أمريكا الراسخ بأمن إسرائيل وهو الأمر الذى يؤمن به كل من الرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس, وهو أن أسرائيل الديمقراطية والقوية الآمنة تمثل أهمية حيوية لمصالح الولايات المتحدة. كما أدان الرئيس بايدن ونائبته الهجوم الوحشى الذى شنته حماس على إسرائيل فى السابع من أكتوبر، وأدانا العنف المروع بما فى ذلك العنف الجنسى الذى قامت به حماس, وأوضح كلاهما أن الولايات المتحدة تريد حماس مهزومة.
عقب ذلك العدوان سافر الرئيس بايدن الى إسرائيل ليكون أول رئيس أمريكى يفعل ذلك فى وقت الحرب, لإظهار أن الولايات المتحدة تقف الى جانب إسرائيل فى سعيها لتحقيق السلام والأمن, كما دافع عن إسرائيل فى الأمم المتحدة وكما عملت إدارته مع زعماء الكونجرس لتمرير مساعدة مالية تاريخية بقيمة 14 بليون دولار لمساعدة إسرائيل فى الدفاع عن نفسها.
هذا هو الدعم المطلق لإسرائيل وإطلاق يدها لتفعل ما تشاء فى غزة ولتعطيها مزيدا من الضوء الأخضر لتنجز عملية الإبادة التى ستحقق النصر الكامل على حماس، كما يصر نيتانياهو على تسميته.وفى اليوم الرابع والأخير للمؤتمر ألقت كامالا هاريس خطابا مطولا مدته 40 دقيقة وفيه سردت ما حواه البرنامج الانتخابى وأثنت كل الثناء على الرئيس بايدن وما حققه من إنجازات ثم أعلنت عن دعمها القوى لإسرائيل، وقالت إنها ستدافع دائما عن حقها فى الدفاع عن نفسها وستضمن دائما أن تتمتع إسرائيل بالقدرة على الدفاع عن نفسها, لأن الشعب الإسرائيلى يجب ألا يواجه مرة أخرى الرعب الذى تسببت فيه منظمة إرهابية تسمى حماس فى السابع من أكتوبر. ثم رددت الكذبة الشيطانية التى رددها الرئيس بايدن عما حدث فى السابع من أكتوبر فقالت إن الشعب الإسرائيلى يجب ألا يواجه العنف الجنسى الذى لا يوصف ومذبحة الشباب فى مهرجان موسيقى.
كان ذلك قاسيا وظالما لأنه ثبت عدم صحته وتفنيد كذبه وأن جميع من نشر هذا الخبر الكاذب اعتذروا ما عدا الرئيس بايدن الذى كرره مرارا ولم يدل بأى اعتذار, ثم أصر على ذكره فى برنامج الحزب وكررته كامالا هاريس فى مقابلة تليفزيونية يوم الخميس الماضى. وأضافت أيضا أنها لن تتردد فى اتخاذ أى إجراء ضرورى للدفاع عن قواتنا ومصالحنا ضد إيران والإرهابيين المدعومين منها.
غير أن أقسى ما حدث فى مؤتمر الحزب الديمقراطى عدم سماح الحملة الانتخابية لكامالا هاريس للسيدة رواء رمان وهى أول فلسطينية أمريكية منتخبة لمنصب سياسى عام فى ولاية جورجيا ولها صوت انتخابى فى المؤتمر بإلقاء كلمتها، وكان محددا لها أن تلقى كلمة تتحدث فيها عن معاناة الشعب الفلسطينى.
كان منعها حيودا شديدا عن مبادئ الحزب الديمقراطى الذى يسمح لكل الأقليات به أن يكون لها كلمة فى مؤتمرالحزب, إضافة إلى أن اللجنة المنظمة للمؤتمر سمحت لأسر بعض الأسرى لدى حماس بالحديث عن معاناة هؤلاء الأسرى.
لمزيد من مقالات د. مصطفى جودة رابط دائم: