يشهد قطاع غزة منذ أكثر من عشرة شهور هجمة إسرائيلية شرسة غير مسبوقة فى التاريخ الحديث وبالمخالفة لأحكام القانون الدولى، والقانون الدولى الإنسانى والالتزامات التى يفترض أن تلتزم بها سلطات الاحتلال فى تعاملها مع المدنيين فى المناطق التى تحتلها، وحدثت خسائر فادحة بشرية ومادية نتيجة لاستخدام جيش نظامى أحدث الأسلحة والذخائر ضد المدنيين مما أدى إلى هدم البنية التحتية، وقصف وتدمير المنازل والمستشفيات ودور العبادة، وتزايد فى أعداد القتلى والمصابين، حيث وصلت أعداد القتلى إلى أكثر من أربعين ألفًا، وأعداد المصابين إلى قرابة مائة ألف إضافة إلى حصار قطاع غزة بكامله واتباع سياسة التجويع وإعاقة إدخال المساعدات الإنسانية من جانب قوات الاحتلال, وبذلت الدولة المصرية والقيادة الجهود المكثفة لاحتواء الموقف بالمشاركة مع أطراف أخرى إقليمية ودولية، ويمكن فى هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات الآتية:
أولا: الدور المصرى فى المفاوضات والوساطة، حيث بذلت مصر جهودا مكثفة سواء على المستوى الإقليمى أو الدولى بهدف الوصول إلى نتائج ايجابية وتقريب وجهات النظر بين طرفى النزاع، ويمكن الإشارة فى ذلك إلى مشاركة مصر فى جولات من المفاوضات فى باريس وروما والمشاركة فى جهود الوساطة مع أطراف اقليمية ودولية أخيرا مع الولايات المتحدة وقطر، كما استقبل الرئيس وزير الخارجية الأمريكى بلينكن وتم التركيز على أهمية التوصل إلى ايقاف إطلاق النار فى غزة، وأن يكون ذلك بداية لإطلاق عملية سلام تؤدى إلى إقامة الدولة الفلسطينية على المناطق الفلسطينية التى احتلت فى عام 1967، وأن تكون عاصمتها القدس الشرقية، كما بحثت هذه القضايا أيضا فى لقاءات القمة أى الدبلوماسية الرئاسية مع عديد من قادة دول العالم.
ثانيا: تفسير تعطل جهود التهدئة، فمن الملاحظ انه رغم تعددية الجهود التفاوضية، والوساطة الإقليمية والدولية فإنه لم يتم حتى الآن نزع فتيل الأزمة ويفسر ذلك بما تضعه إسرائيل من عقبات أمام الجهود المبذولة للحل، فالقضايا الأساسية معروفة والتى اذا تم التوافق عليها تحدث التهدئة، وتتمثل هذه القضايا فى ايقاف اطلاق النار، وتبادل الأسرى والرهائن، وانفاذ المساعدات الإنسانية، وانسحاب إسرائيل من كل المناطق فى قطاع غزة،وعودة المهجرين داخل القطاع الذين أجبروا على الهجرة من الشمال إلى الجنوب إلى مناطقهم الأصلية، وتكررت الجولات التفاوضية ولكن دون الوصول إلى حلول نهائية نظرا لما يوضع من تعقيدات أو مطالب جديدة من جانب إسرائيل، أو الادعاء بأن الوفد المتفاوض من جانب إسرائيل لا يملك سلطة اتخاذ قرارات معينة، أو أن يحدد ايقاف اطلاق النار بفترات زمنية معينة يتم خلالها اطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس وتوضع عراقيل من جانب إسرائيل حول المحتجزين فى السجون الإسرائيلية من حيث الكم أى أعداد من يطلق سراحهم ومن حيث الكيف، أى أن بعض الأسرى الفلسطينيين لن يطلق سراحهم، أو إذا أطلق سراحهم لا يسمح لهم بالعودة إلى المناطق الفلسطينية ، إضافة إلى اتخاذ إجراءات أمنية للموافقة أو الرفض على الذين يعودون من جنوب القطاع إلى مناطقهم الأصلية فى الشمال ويضاف إلى ذلك رغبة الجانب الفلسطينى فى الحصول على ضمانة انه لن يتم استئناف إسرائيل إطلاق النار عقب اطلاق الأسرى، اضافة إلى استمرارية إسرائيل فى السيطرة على بعض المحاور المهمة فى الجانب الفلسطينى مثل معبر فلادلفيا ونتساريم، اضافة إلى إعلان الجانب الإسرائيلى أنه يمكن العودة إلى السيطرة على بعض المناطق فى قطاع غزة نتيجة لمعلومات استخباراتية، وهو مايضع صعوبات وعراقيل أمام المفاوضات وجهود الوساطة وعمليات التهدئة.
ثالثا: خطورة استمرارية الصراع فى غزة، حيث توجد تداعيات خطيرة يمكن أن تحدث إذا لم يتم احتواء الأوضاع فى غزة وهى أن يتعدى الصراع أطرافه المباشرة أى إسرائيل والفلسطينيين، ويطرح آثاره الخطيرة على الإقليم والعالم ككل من مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية، والأمنية وهذا ما حذرت منه الدولة المصرية منذ بداية الاعتداء الإسرائيلى على غزة، وقد ظهرت بعض المؤشرات الخطيرة التى تعكس تزايد حدة التوتر فى المنطقة، واحتمال انجراف أطراف أخرى فى الصراع ويمكن الإشارة فى ذلك إلى التوتر الشديد بين إسرائيل وإيران، والضربات المتبادلة بينهما فى فترة سابقة، وترقب تداعيات أخرى عقب اغتيال السيد إسماعيل هنية فى طهران، إضافة إلى الضربات المتبادلة والمستمرة مع أذرع إيران فى المنطقة مثل حزب الله، والحوثيين فى اليمن، وتهديد الملاحة فى البحر الأحمر، والآثار السلبية لذلك على التجارة الدولية والاقتصاد الدولى، كما شهدت المنطقة أيضا حشودًا عسكرية متزايدة بحرية وجوية وشهدت أيضا ما يمكن أن يطلق عليه (حرب بالوكالة) بين إيران والولايات المتحدة.
ويمكن القول فى النهاية إن منطقة الشرق الأوسط بكاملها تشهد السباق المحتدم بين جهود الوساطة والتهدئة، ومحاولات نزع فتيل الأزمة فى غزة، وإيقاف إطلاق النار من ناحية وبين أخطار توسع الصراع وامتداده إلى أطراف أخرى اقليمية ودولية، وهو السباق الذى يترقب العالم نتيجته.
> أستاذ العلوم السياسية
بجامعة القاهرة
لمزيد من مقالات د. إكرام بدرالدين رابط دائم: