تتفق النازية والصهيونية فى الاعتماد على منهج جوزيف جوبلز، وزير الدعاية النازية، الذى يقوم على مقولته الشهيرة: اكذب.. اكذب حتى يصدقك الناس، هذا المنهج يشكل النقطة الخامسة فى أوجه الشبه بين هذين النسقين المعاديين للإنسانية. وقد تناولنا أربع نقاط منها فى الجزء الأول من هذا المقال، ونستكمل اليوم رصدنا هذا التشابه فى الفكر والممارسة الذى يستلزم من المجتمع الدولى بالضرورة اتخاذ موقف موحد ضد الصهيونية على المستوى ذاته الذى تم اتخاذه من قبل ضد النازية، لحماية الإنسانية من شرها وتلافى قيام حرب عالمية ثالثة مثلما تسببت النازية فى الحرب العالمية الثانية.
اعتمدت الصهيونية على الكذب والتلفيق فى الترويج لمشروعها الاستعمارى الاستيطانى فى فلسطين من خلال مجموعة من الأساطير رصدتها عدة بحوث ومؤلفات، من أشهرها كتاب الفيلسوف الفرنسى الكبير روجيه جارودى: (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) الذى يتضمن أساطير: الأرض الموعودة. ومعاداة السامية التى يتم استغلالها لتعطيل الانتقادات الموجهة لإسرائيل. والستة ملايين يهودى ضحايا الهولوكوست التى استخدمت لاستجلاب التعاطف والتبرعات للصهاينة. وأرض بلا شعب لشعب بلا أرض التى قامت عليها الدعاية السياسية للمشروع الصهيونى لاحتلال فلسطين، بالإضافة الى أسطورة وجود هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى. كما تم تزوير العقيدة اليهودية بما يبيح للصهاينة عمليات القتل والإبادة لجميع الأغيار أى غير اليهود الذين يظنون أن بقية البشر خلقوا لخدمتهم، وتزخر شبكات التواصل الاجتماعى بفيديوهات الحاخامات التى تردد ذلك وتزعم لأتباعهم ان العرب مجرد دواب خلقوا لخدمتهم! وهو ما تبناه بعض المسئولين الإسرائيليين حينما قالوا إن الفلسطينيين يعتبرون حيوانات بشرية!
وتوظف اللوبيات الصهيونية فى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول هذه الأساطير لمصلحة دولة إسرائيل، هذا التوظيف اعترف به كتاب إسرائيليون منهم الكاتب الشهير آرى شبيت الذى ذكر ـ فى مقال نشرته صحيفة «هاآرتس» أخيرا ـ أن الحركة الصهيونية استطاعت، من خلال استغلال ما سمى المحرقة وتضخيمها، أن تقنع العالم بأن فلسطين هى «أرض الميعاد»، وأن الهيكل المزعوم موجود تحت المسجد الأقصى، وهكذا تحول الذئب إلى حمَل يرضع من أموال دافعى الضرائب الأمريكيين والأوروبيين، حتى بات وحشا نوويا.
وفند الكاتب الإسرائيلى أسطورة موقع الهيكل اعتمادا على ما توصل إليه عدد من علماء الآثار الغربيين واليهود، ومن أشهرهم «إسرائيل فلنتشتاين» من جامعة تل أبيب الذى أكد أن الهيكل كذبة وقصة خرافية ليس لها وجود، وأثبتت جميع الحفريات أنه اندثر تماما منذ آلاف السنين وخلص إلى أن لعنة الكذب هى التى تلاحق «الإسرائيليين»، ويوما بعد يوم سيدركون أنه لا مستقبل لهم فى فلسطين، فهى ليست أرضا بلا شعب كما كذبوا.
كل هذه الأكاذيب اعتمدت عليها إسرائيل لتبرير المذابح والجرائم التى ترتكبها تجاه شعوب المنطقة العربية، منذ اغتصابها أراضى فلسطين عام 1948. لكل ذلك فإن الصهيونازية التى تجسدها الدولة العبرية تشكل خطرا على المنطقة والعالم لأنها تنتهك كل القيم الإنسانية والمواثيق الدولية وترتكب جرائم يعاقب عليها القانون الدولى والإنسانى، من أبرزها: احتلال ارض الغير(تحتل إسرائيل فلسطين وأراضى من لبنان وسوريا) وتطبيق سياسات الفصل العنصرى، وقتل المدنيين والنساء والأطفال، (أحدثها 40 الف شهيد و100 الف جريح خلال 10 أشهر بغزة) وقتل الصحفيين والإعلاميين والطواقم الطبية وفرق الإسعاف والإغاثة والمدرسين وأساتذة الجامعات وعلماء الدين، وتدمر المدارس والمساجد والكنائس والمستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه والبنى التحتية والمباني. واغتيال المفاوضين وقتل المصلين فى مساجدهم وتجويع المدنيين ومنع وصول المساعدات إليهم، والتهدد باستخدام القنبلة النووية التى تملكها لإبادة الفلسطينيين. وتوزيع السلاح على المستوطنين لقتل المواطنين العرب، حيث يقوم المستوطنون اليهود بعمليات إرهابية فى الأراضى العربية المحتلة برعاية الحكومة الصهيونية وشن الحروب وتهديد السلام والأمن، فمنذ قيام إسرائيل شهدت المنطقة عشرات الحروب، إسرائيل فيها هى المحتل والمعتدى، وهى دولة مارقة لم تنفذ أيا من قرارات الأمم المتحدة على مدى عشرات السنين، وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية إدانات لقادتها لارتكابهم جرائم حرب، فهى تمثل آخر أشكال الاحتلال والاستعمار والفصل العنصرى الذى تحررت الإنسانية منه. وعليه فإن المجتمع الدولى مطالب بتجريم الصهيونية ومحاربتها على كل الأصعدة ـ كما حدث مع النازية ـ لحماية البشرية من خطرها.
لمزيد من مقالات د. محمد يونس رابط دائم: