لافتٌ لقاء الفريق «أسامة ربيع» رئيس هيئة قناة السويس، مع وفد مجموعة «ميرسك إيه بى موللر»، لبحث عودة السفن التابعة للمجموعة، إلى المرور مرة أخرى عبر قناة السويس.. رئيس الوفد «كيث سفندسن» أكد أهمية القناة لحركة التجارة العالمية، ما يجعل عودة سفن المجموعة للإبحار من جديد عبر قناة السويس أمرًا حتميًّا فور استقرار الأوضاع فى المنطقة. الجملة الأخيرة مفتاحية، عودة الملاحة لقناة السويس إلى طبيعتها، معلقة على شرط استقرار الأوضاع فى المنطقة التى تعيش واحدة من كوابيسها السوداء، بفعل الحرب الإسرائيلية فى غزة، وانعكاساتها على حركة الملاحة العالمية التى تستهدفها جماعة الحوثى (أنصار الله) فى اليمن. حجم الخسائر المحققة فى إيرادات قناة السويس تحت وطأة هجمات الحوثى يكلفنا ما لا طاقة لنا به، الدكتور «مصطفى مدبولى» رئيس مجلس الوزراء، يخبرنا عن خسارة قناة السويس 500 - 550 مليون دولار شهريا، نتيجة الاضطرابات التى تشهدها المنطقة.
خسائر مصر المحققة بفعل الحرب المجنونة لاتعد ولا تحصى ، ليست مقصورة على عائدات القناة، خسارة فادحة لا يحتملها اقتصاد يعانى من جراء أزمات دولية وإقليمية، مصر أبدا ليست طرفا فيها. والمزايدات على الدور المصرى بزيادة. المزايدون انتقلوا من مربع افتحوا المعبر إلى افتحوا الحدود، ومصر صابرة، قابضة على الجمر، ولا ترد على تخرصات، ولا تذهب إلى ملاسنات .. مصر، كبيرة العرب، أبدا لا تلقى بخسائرها على عاتق الأطراف المتصارعة، ولا تطلب تعويضات، هناك دول براجماتية فى الجوار تكسب من الحرب كثيرا، تتبضع مكاسب على حساب دماء الشهداء العزل، ومصر تخسر الكثير، ولا تتبرم، ولا تتشكى، بل تبذل جهودا مخلصة للحيلولة دون حرب إقليمية لن تبقى ولا تذر. المزايدة مصطلح يقصد به تجاوز الواقع باستخدام المبالغة والسخرية، تتخذ المزايدة فى العموم طابعا استفزازيا.. والمزايدات على الموقف المصرى صارت استفزازية، ولا تستقيم أخلاقيا ولا دبلوماسيا بحال.. الحملات السياسية الموجهة التى تستهدف الموقف المصرى العاقل، مثل كلام ساكت، طق حنك سياسى، لزوم ما يلزم للاستهلاك الشعبوى العاطفي.. موقف مصر شفاف وعادل عاقل، ووفق إرادتها الوطنية، ومحددات الأمن القومى وخطوطه الحمراء فيما يخص تصفية القضية فى سيناء، وعلى خطوط التماس فى «محور فيلادلفيا».
وكأن مصر مطلوب منها دفع ثمن الحرب من قوتها الضرورى، وفوق ذلك الغمز واللمز والتشكيك فى نصاعة الموقف المصرى، وتبنيه حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس. فعلا كما قال الرئيس السيسى، «مصر تتعامل بشرف فى زمن عز فيه الشرف»، مصر تتعامل بدبلوماسية شريفة عاقلة رشيدة، تضع مصالح الأمن القومى العربى فوق المصالح القطرية، وترسم مسارات للحل الناجع لوأد الحرب الإقليمية، وتتحمل الغرم صابرة محتسبة لصالح القضية الفلسطينية. مصر لا تلقى بالا للمزايدات التى تفتعلها دول وجماعات، ولا ترد على الإساءات الموجهة، وتتعامل بشرف فى مواجهة ممارسات تتسم بعدم الشرف والانتهازية السياسية، عواصم تزايد وتكسب من الحرب، وكأنها تعب من دماء الخدج الرضع. مصر قادرة، وتملك ما يكفى ردعا، لكن قوة جيشها عاقلة رشيدة، لا تنجر إلى معارك جانبية، ولا مزايدات رخيصة، وتسمو الكبيرة فوق السفاهات، ولا تلقى بالا للمزايدات، ولا تلتفت للصغائر، وعين قيادتها مصوبة على الحدود.
حلقة النار المضروبة حول مصر، ربما لم تتزامن على هذه الشاكلة فى التاريخ الحديث، والخطوط الحمراء المصرية معلنة، وتجاوزها لا يحمد عقباه، لذا القيادة المصرية تتعاطى مع حلقة النار بمنطق الإطفائى الذى يحاول إخماد النار، وكلما هدأت نارا أشعلوا غيرها فى اتجاه معاكس. الإحاطة بحلقة النار يتطلب رشادة عنوان الدبلوماسية المصرية، وتعقلا لا يعجب بعض من فى قلوبهم مرض، مصر لا تنجر إلى مغامرات مجنونة غير محسوبة العواقب والمآلات، ولا تذهب إلى حقول النار المشتعلة، ولا تنتهج سلوكا معاديا، عنوانها السلام. مصر خاضت ثلاث حروب مهلكة من أجل القضية الفلسطينية، ولا تزال فلسطين قضيتها الكبرى، والأقصى قبلتها، حربا وسلما، ولا تتفضل بمواقفها العروبية على كائن من كان ولا طلبت يوما ثمنا، ولا ضنت بدماء شهدائها ولا بمعاناة شعبها طوال عقود.
لمزيد من مقالات حمدى رزق رابط دائم: