رئيس مجلس الادارة

د. محمد فايز فرحات

رئيس التحرير

ماجد منير

رئيس التحرير

ماجد منير

مصر وحرب غزة والأسبوع الحاسم

لايمكن أن نفصل الموقف المصرى الرافض تماما لاستمرار الاحتلال الإسرائيلى لكل من محور فيلادلفيا ومعبر رفح عن موقف مصر تجاه أزمة غزة ككل، ومعارضة احتلال القوات الإسرائيلية أجزاء كبيرة من القطاع، بل ومايثار بشأن اعتزامها البقاء فى القطاع حتى بعد انتهاء الحرب لفترة غير محدودة. ورغم أن كلا من محور فيلادلفيا ومعبر رفح الفلسطينى يقعان على أراض فلسطينية وليس لهما علاقة مباشرة ببنود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة فى مارس 1979، فإن موقف مصر لم يتغير منذ بداية الحرب، وكانت الرسالة والرؤية المصرية حاسمة لاتقبل الجدل ومفادها أنه لابد من التوصل إلى هدنة تتيح المجال أمام وقف إطلاق النار، وإنجاز صفقة تبادل أسري، ثم إنهاء الحرب تماما والتمهيد أمام إعادة إعمار غزة على أن نصل بجميع هذه الخطوات إلى الهدف الأسمى وهى مفاوضات تقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية.

الموقف المصرى الذى يتمسك بضرورة انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا ومعبر رفح يستند إلى مايلي: عدم وجود أى مبررات للوجود العسكرى الإسرائيلى فى المحور، وأن الادعاءات بوجود أنفاق على الحدود المصرية مع غزة تعد ادعاءات كاذبة من أجل دعم البقاء غير الشرعى فى المحور. إن معبر رفح الفلسطينى يعد المعبر البرى الوحيد بين غزة ومصر وأن السكان ينطلقون منه إلى مصر والعالم الخارجي، خاصة أن المعبر البرى الآخر وهو معبر إيريز يعد معبرا إسرائيليا ومن غير المسموح للفلسطينيين بالعبور منه إلا بتنسيق أمنى مسبق لايتوافر للجميع، ومن المهم أن نعيد التذكير بأن مصر لم تكن طرفا فى اتفاق المعابر الذى نظم العمل فى المعبرالفلسطينى والموقع فى 15 نوفمبر 2005 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ونص على وجود قوات شرطة ومراقبة أوروبية بالمعبر. وبالتالى فإن أى حديث منصف عن الموقف المصرى تجاه أزمة غزة يجب أن يأتى أولا فى سياق الدور التاريخى لمصر تجاه القضية الفلسطينية فى جميع مراحلها، أما بالنسبة للحرب على غزة فإن مصر لم تتوان عن التحرك المكثف منذ بدايتها، وطرحت أول مقترحات للحل بمراحله الثلاث فى ديسمبر الماضى وأصبحت تلك المقترحات أساس جميع المفاوضات التى تتم مناقشتها منذ هذا الحين وحتى الآن.

وعلى المستوى الإسرائيلى فإن مصر لم تقف مطلقاً موقف المراقب بل استخدمت جميع الأدوات المتاحة من أجل إدخال المساعدات إلى القطاع ووقف الكارثة الإنسانية وإنهاء الحرب، واستثمرت قدرتها فى التواصل الدائم مع جميع الأطراف المعنية، ولاسيما إسرائيل وحماس وقطر والولايات المتحدة، كما كانت حريصة على عدم المساس بجوهر معاهدة السلام مادام الطرف الآخر لم ينتهكها حتى لا تفقد إحدى أهم الأدوات التى تمتلكها، وهى ممارسة دور الوساطة الفاعلة فى ظل أصعب الظروف التى تواجهها هذه الوساطة.

ومن المؤكد أن مصر لم تفاجأ بالسياسات المتشددة التى ينتهجها نيتانياهو ومدى مايمثله الإئتلاف الحاكم من قيود إضافية عليه، ولكنها كانت واضحة تماما عندما تحركت على الفور لوقف هذه الحرب الظالمة على غزة، وانخرطت فى مفاوضات مكثفة من أجل حلها على مدى عشرة شهور وحتى الأسبوع الحالي، وفى رأيى فإن التمسك المصرى بالانسحاب الإسرائيلى من محور فيلادلفيا ومعبر رفح سوف يكون نقطة تحول فى الحرب وسيقود إلى تحقيق الهدنة، مع الأخذ فى الاعتبار أنه لايوجد مايمنع من مناقشة أى مقترحات أمريكية أو إسرائيلية فى هذا الشأن بشرط أن تكون نتيجتها النهائية انسحاب إسرائيل من المحور والمعبر كمقدمة لانسحاب إسرائيلى كامل من القطاع .

وفى الوقت نفسه سوف أظل أطرح على نيتانياهو مجموعة من الأسئلة المرتبطة بعضها ببعض وأهمها ماهى حساباته لكيفية انتهاء الحرب؟ وماهى طبيعة اليوم التالى لمرحلة مابعد وقف إطلاق النار الدائم؟ وماهى الحدود التى يمكن أن يصل إليها فى علاقاته مع مصر مستقبلا؟ وماهى طموحاته لمسار التطبيع العربي؟ ومامدى قدرته على مواجهة حرب إقليمية من المؤكد لن يكون هو الرابح فيها؟ وأتمنى أن تكون القراءة الصحيحة للواقع الراهن تمثل الإطار الذى يحكم الإجابة عن هذه الاستفسارات.

أما بالنسبة للولايات المتحدة فلا أجد أى كلمات سوى أن مايحدث فى غزة كان ظاهرة كاشفة لسياسة المعايير المزدوجة التى تحكم مواقفها، فالإدارة الأمريكية أصبحت عاجزة عن مواجهة نيتانياهو الذى تم استقباله كالأبطال فى الكونجرس فى يوليو الماضي، كما أن عشر زيارات لوزير خارجية أكبر دولة عظمى فى العالم للمنطقة لم تنجح فى وقف الحرب، وكم أتمنى أن يتحول الشعار المستهلك (بأنه آن الأوان لوقف الحرب على غزة فورا) إلى واقع على الأرض ولو لمرة واحدة فقط حفاظا على ماتبقى من المصداقية الأمريكية. أما فيما يتعلق بالمنطقة فللأسف فقد أصبحت أسيرة لتهديدات الدولة الإيرانية التى أرسلت رسالة واضحة للجميع بأنها قادرة على توسيع دائرة الصراع وتفجير الاستقرار الوهمى أو النسبى الحالي، وأن تحقيق شرطها الرئيسى بوقف الحرب على غزة يمكن أن يدفعها لإعادة التفكير فى طبيعة ردها المنتظر، والمؤكد ضد إسرائيل، وأنها صاحبة القرار الوحيد فى استقرار المنطقة من عدمه.

الخلاصة أننا أمام أيام بل ساعات حاسمة للتوصل إلى الهدنة التى تقترب نظريا، الأمر الذى يفرض المسئولية الأهم ليس على الوسطاء فقط وإنما على طرفى الصراع وتحديدا على إسرائيل أولا ثم على حماس ثانيا بضرورة استثمار مايمكن أن أطلق عليه الفرصة الأخيرة المتاحة للهدنة لوقف تدحرج كرة النار التى إن لم نوقف تدحرجها فقد يحترق كل من استهان بها.


لمزيد من مقالات لواء محمد إبراهيم الدويرى

رابط دائم: