تعد القضية الفلسطينية من أهم وأخطر القضايا التى تطرح آثارها و تداعياتها الإقليمية والدولية وعلى مختلف المستويات السياسية والاقتصادية، والأمنية وتؤثر على المصداقية الدولية، ويمكن الإشارة فى هذا الإطار إلى الملاحظات التالية:
أولا: عجز المجتمع الدولى والمنظمة الدولية عن احتواء هذا الصراع أو إيجاد حلول له رغم تعددية القرارات الدولية فى هذا الشأن، فالقرارت الدولية التى يتم اتخاذها لا يتم تنفيذها أو تعجز الأجهزة أو الأفرع الرئيسية للأمم المتحدة عن اتخاذ القرار أصلا، حيث يمكن الإشارة على سبيل المثال إلى القرار 181 الصادر فى عام 1947 الخاص بتقسيم فلسطين إلى دولتين ولم يجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع وترتب على ذلك عدة حروب ومواجهات عسكرية عربية إسرائيلية فى أعوام 1948،و 1956، و 1967، و 1973، كما يمكن الإشارة إلى القرار 242 والصادر عن مجلس الأمن فى 22 نوفمبر 1967 والذى كان ينص على انسحاب إسرائيل من الأرض التى احتلتها بعد حرب 1967 ولم يجد هذا القرار طريقه إلى التنفيذ على أرض الواقع، حيث استعادت مصر سيناء بعد حرب 1973 وما تبعها من ترتيبات تفاوضية بين مصر وإسرائيل، بينما مازالت الجولان السورية محتلة من قبل إسرائيل منذ نصف قرن. كما أن مختلف القرارات الخاصة بحقوق الفلسطينيين وحل الدولتين لم تنفذ حتى الآن رغم أن مقترح حل الدولتين كان فى الأصل مقترحا أمريكيا تبنته الإدارة الأمريكية فى عهد الرئيس بوش الابن ولم يتحقق هذا المقترح حتى الآن، وجاءت التطورات الأخيرة فى غزة وما شهدته من عدوان إسرائيلى وحشى لكى تطرح مزيدا من الآثار والتداعيات وتضفى مزيدا من التعقيد على القضية الفلسطينية نتيجة للهجمة الشرسة التى تشنها الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة على قطاع غزة منذ أكثر من عشرة أشهر، وما أحدثه هذا العدوان من تدمير غير مسبوق فى البنية التحتية، والمساكن والمستشفيات والمدارس ودور العبادة، علاوة على الأعداد الهائلة من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، واستهداف للمدنيين الفلسطينيين العزل من جيش نظامى مسلح بأحدث الأسلحة بالمخالفة لكل قواعد القانون الدولى والقانون الدولى الإنساني، وأيضا بالمخالفة للإلتزامات التى يفرضها القانون الدولى على سلطات الاحتلال فى تعاملها مع المدنيين فى المناطق المحتلة.
ثانيا: التداعيات والآثار الدولية، حيث يمكن القول إن تداعيات القضية الفلسطينية تؤثر على العالم ككل، ولعل هذه التداعيات والآثار الخطيرة يمكن ملاحظتها خلال الأحداث التى شهدتها المنطقة فى الأشهر الماضية نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية على غزة وما ترتب عليها من آثار إقليمية ودولية، ومن ذلك على سبيل المثال تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران مؤخرا على خلفية اغتيال إسرائيل إسماعيل هنية فى طهران واستعدادات إيران للرد، والتى تنذر بعواقب وخيمة، بالإضافة إلى تصاعد وتيرة الحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران، و توجيه الولايات المتحدة ضربات عسكرية ضد الحوثيين والجماعات التى تؤيدها إيران فى سوريا والعراق، ويضاف إلى ذلك أيضا الضربات التى وجهها الحوثيون إلى السفن فى البحر الأحمر وبالذات السفن المتوجهة إلى إسرائيل، وطرح ذلك آثاره السلبية على الملاحة فى البحر الأحمر، وعلى التجارة الدولية فى هذا الممر الملاحى المهم وتأثر بذلك الاقتصاد العالمي، والتجارة الدولية خصوصا نتيجة لزيادة نفقات التأمين، إضافة إلى تغيير خطوط الملاحة مما زاد من تكلفة النقل وسبب معاناة للاقتصاد العالمى ككل، كما يمكن الإشارة أيضا إلى التوترات فى الجبهة الشمالية أى الضربات المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله فى لبنان وما ترتب عليها من زيادة التوتر فى المنطقة والتهديد بانجراف أطراف أخرى دولية أو اقليمية فى حالة عدم القدرة على احتواء هذه التداعيات، كما يمكن القول إن تداعيات النزاع فى غزة خصوصا تهديد الملاحة فى البحر الأحمر ينعكس سلبيا على أحد مرتكزات السياسة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط وهى حرية المرور فى الممرات الملاحية فى المنطقة وما يمثله ذلك من تهديد للمصالح الأمريكية.
ثالثا: التأثير السلبى على مصداقية النظام الدولي, فقد أدت الأزمة التى يشهدها قطاع غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي وعجز الأمم المتحدة عن اتخاذ إجراءات جدية لوقف المجازر التى ترتكبها قوات الاحتلال أن أصبحت مصداقية وقدرة النظام الدولى على المحك ويمكن تفسير ذلك بازدواجية المعايير والمنطق المعكوس، والعمل على مجاملة المعتدى على حساب الضحية، ويمكن مقارنة الموقف الدولى من أحداث غزة بالموقف الدولى من الأزمة الأوكرانية، كما يمكن الإشارة أيضا إلى عدم قدرة مجلس الأمن على اتخاذ قرار ملزم نتيجة استخدام حق الفيتو عدة مرات منذ أن بدأ العدوان على غزة، كما أن القرارات التى اتخذتها محكمة العدل الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة لم تطبق على أرض الواقع مما أتاح للمعتدى أن يتمادى فى عدوانيته، ويثير ذلك التساؤل عن مدى أهمية ومصداقية الأمم المتحدة وأجهزتها المتعددة، وبالذات مجلس الأمن الذى تتركز مهمته الأساسية فى حفظ السلم والأمن الدوليين وهو ما لا يمكن تحقيقه اذا فشلت المنظمة الدولية فى وقف العدوان، وعقاب المعتدى الذى يعصف بكل قواعد القانون الدولي، والقانون الدولى الإنسانى ويرتكب أعمالا تندرج فى إطار الإبادة الجماعية، ويتبع سياسات الحصار والتجويع والتهجير القسرى ومنع المساعدات الإنسانية مما دفع البعض إلى التخوف من تكرار فشل تجربة عصبة الأمم التى عجزت عن حل بعض القضايا المهمة مما أدى إلى انهيارها، ونأمل أن يكون للقانون الدولى مصداقيته وللأمم المتحدة القدرة على إيقاف المعتدى وتطبيق القرارات الدولية وحفظ السلم والأمن الدوليين.
--------------------------
◙ أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة القاهرة
لمزيد من مقالات د. إكرام بدرالدين رابط دائم: