قد تأتى فى حياة كل منا لحظة، يتوقف فيها كى يلتقط أنفاسه، لحظة تهدأ فيها نفسه، من حمم الصراعات، ومعارك الأيام، وأزماتها التى تحاوطه من كل صوب. آملاً فى أن يقيم فيها وضعه بأقصى درجات الهدوء إن استطاع، وبعدها يعاود كرّته من جديد. لتدور عجلة الزمن محاولة اللحاق بركْب المتغيرات التى لا تتوقف. من مخرجات تلك اللحظة، الشعور بالحنين للماضي، وقت وجود الآباء، والتنعم بكنفهم، وقت اللهو والسمر، دون تحمل أى درجة من درجات المسئولية، الحياة لعب و لهو فقط. حتى الأحلام لم يكن لها وقت من كثرة المرح. ثم تبدأ مراحل الحياة من دراسة وعمل، هلم جرا، وفى الطريق تكوين صداقات، واختيار شريك الحياة، وكذلك الانتقال لسكن جديد. الآن، لو عاد بك الزمن مرة أخري، هل ستكرر اختياراتك، أم تغيرها و لماذا؟ بكل تأكيد الإجابات ستكون متغيرة، ما بين تكرار الاختيار بالنسبة الكاملة، ومن دون شك هؤلاء أصحاب النسبة الأقل، فحال الكثير من المحيطين يومئ بذلك، ونسب أخرى بين إعادة الاختيار كليا. ولذلك دعونا نحدد أهم الاختيارات التى تحدد بشكل قاطع كيف ستعيش حياتك، سعيدة، أم رتيبة؟ قد يكون اختيار مجال الدراسة متكأ لاختيار مجال العمل، ومن ثم إذا اخترت مجال دراسة مناسبا لميولك، فستعمل عملا تحبه، حتى تتقنه، فتتدرج فى مراتبه حتى تصل لأعلاها، وهذا قمة النجاح، وهنا أعرج على مسألة هى فى غاية الأهمية، تفعلها الأٌسر عن عمد، وبها تهيل التراب على أبنائها، وتهدر مواهب جميلة من شأنها أن تنقل أصحابها لمكانة رائعة، ستكون أحد أسباب سعادتهم.
فنحن هذه الأيام فى أجواء الاحتفال بنتائج الثانوية العامة، أهم سنوات العمر الدراسية، بوابة الولوج للحياة الجامعية والعملية فيما بعد، من الجميل أن يحصل الأبناء على المجاميع الكبيرة، ولكن الأجمل ليس دخول كليات القمة، التى يحلم بها الأهل، باعتبارها باب النجاح فى الحياة، بل الأجمل دخول المجال الذى يبرز موهبة الأبناء، فاليوم هناك قمم فى الفن بكل فئاته، من موسيقى وغناء وتمثيل، وتلحين، وعزف ورسم .. إلخ، وكذلك المجال الرياضي، الذى يتسع لعشرات الرياضات، فكل من يمتلك موهبة فى أى رياضة، يمكن له أن يحقق فيها نجاحا يعود عليه و على بلده بالنفع. لذلك أعطوا الفرصة للأبناء ليختاروا مجال دراستهم، حتى تحقق أحلامهم وطموحاتهم. ولا تكونوا أنتم أصحاب هذا القرار المصيرى الذى يتعلق بحياتهم، فتصيبوا آمالهم فى مقتل! القرار المصيرى الثاني، مرتبط بسابقه، فلو تحب مجال عملك ستبرع فيه، ولنتحدث عن العكس، عمل غير محبوب أو مرغوب، عمل ممل، رتيب، كئيب، لا ألق فيه ولا توهج، ومن ثم، لا يمكن أن تنتج فيه، مع أداء باهت، فينتهى المطاف أن تخرج على المعاش كما دخلت، دون أى تأثير. القرار المصيرى الثالث، فى السياق الطبيعي، هو شريك العمر، سواء زوجا أو زوجه، يقول الله فى كتابه الكريم «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» الآية (21) سورة الروم. الأصل فى الزواج السكن، والمعنى أن الوصول لحالة السكون تعنى الوصول لقمة الأمان، وهو ما يوفر كل عناصر المودة والرحمة وهنا تكتمل منظومة الزواج المترابط، ولأن الأصل فى الزواج الديمومة، فمن الأهمية القصوى اختيار شريك العمر بالعناية الفائقة، حتى ينجح الزواج، لاسيما أن الحياة مليئة بالأعاصير والنوات، التى من شأنها أن تعصف بالعلاقات الزوجية الهشة، فكلما كانت مترابطة على أسس متينة منضبطة، كانت قوية، راسخة، تواجه أعتى أنواع الرياح دون أن تتأثر.
القرار المصيرى الرابع، مكان السكن، قال الحكماء فيما سبق، اختار الجار قبل الدار، لأن جار السوء من شأنه أن يحول حياتك لجحيم، وبدلا من أن تذهب لبيتك لتنال الراحة، تذهب لتتكدر، ويتسرب اليأس لنفسك، فتكره بيتك، وتكره الإقامة فيه، ولا تستريح حتى تنتقل من السكن لسكن آخر مريح. أعلم أن نمط الحياة بات مختلفا عما سبق، كان فى الماضى التوسع أفقيا، فكانت المنازل ارتفاعاتها صغيرة، كما كانت كثيرة، مما يخلق فرصا للانتقاء، بعكس الوضع الآن فقد أصبح التوسع رأسيا، والمنازل عالية، وفكرة الاختيار ضعيفة، وأيضا التنقل بات صعبا، ولعل ذلك ما خلق حالات من الجفاء بين الجيران، أحسب أنها تتوسع، ولذلك مقال منفرد نتوسع فيه حديثا عن الأسباب. وسط كل ما سبق يأتى الحديث عن الصديق، وهو أحد أهم اختيارات حياتك، فهو المعين، وكما قال رسولنا الكريم صلوات الله عليه، «المرء على دين خليله»، فلو كان الخليل «الصديق» رائعا، فستكون حياتك منذ أن عرفته تكسوها الروعة. الصديق الرائع، سند يدعمك، ووتد تتكئ عليه، وأخ لم تلده أمك، والأخ هو ما شد به الله سبحانه و تعالى عضد سيدنا موسي، حينما قال «قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ» سورة القصص الآية 35. هذا هو الأخ كما ذكر قوته وفضله الله، فإذا كنت لم تختر أخيك، فأنت تختار الصديق. إجابتك عن سؤال المقال، يحدد مدى رضائك عن نفسك الآن، كما يحدد سلامة اختياراتك، فتحر الدقة حتى تنعم، ولا تتسرع فتندم.
[email protected]لمزيد من مقالات عماد رحيم رابط دائم: